
أنا أملك حظيرة ماعز وأغنام. لديّ نحو 50 رأس غنم ونحو 10 عنزات. ويشكل هذا القطيع مصدر رزقي الأوّل. أنا أرعى المواشي مرتيْن يوميًا: مرةً في الصباح السّاعة الخامس، ومرةً بعد الظهر الساعة الثالثة. وعمومًا أنا أرعى المواشي بين ثلاث إلى أربع ساعات. والآن، في فترة شهر رمضان، أرعاها بين ساعتين إلى ثلاث. وأنا أرعى الماشية مرةً في الجهة الجنوبيّة من القرية تحت مستوطنة يتسهار، ومرًة في الجهة الشرقيّة من القرية، تحت مستوطنة هار براخه (أنا أملك في هذه المنطقة كرم لوز جرى حرقه). وفي العموم أخرج لرعي الماشية برفقة جاري “أ.ن.” أو مع نسيبي، واللذين يملكان هما الماشية أيضًا.
في يوم الخميس الموافق 11.9.2008، خرجتُ كعادتي اليوميّة لرعي الماعز والأغنام. خرجتُ برفقة “أ.ن.” صوب الجهة الشرقيّة للقرية، تحت مستوطنة هار براخه. وصلنا إلى هناك نحو الساعة الثالثة أو الثالثة والربع بعد الظهر ورعينا ماشيتنا كالمعتاد. وقد فوجئنا من أن المستوطنين -وعلى غير عادتهم- لم يبادروا لأي حادثة طوال اﻷسبوعين اﻷخيرين، لا في جهة يتسهار ولا في جهة هار براخه.
في ساعات العصر، قرابة 17:15-17:00، بدأنا بالنزول عبر سفح التلة عائدين صوب القرية، بغية الوصول إلى البيت قرابة السادسة مساءً، ساعة الإفطار الرمضانيّ. أخذت الحماريْن، واحد لي وواحد لـ “أ.ن.”، وكانا مربوطين سوية، وكانت اﻷغنام من ورائي. سار “أ.ن.” خلف القطيع. اقترب “أ.ن.” منّي لأننا أردنا الافتراق بحيث يأخذ كلّ واحد حماره. وفيما كنا نحاول فكّ الرباط بي الحمارين، بدأت بعض اﻷغنام والمعز بالتفرّق. عندما استدرت من أجل جمعها رأيتُ مستوطنًا يحمل بندقيّة 16-M، يركع على اﻷرض وهو يُوجّه سلاحه صوبنا. إلى جانبه وقف مستوطن آخر لم يكن مُسلّحًا. كانا على مسافة نحو ١٥ مترًا عنّا تحت شجرة. رأيتهما قبالتي مباشرة.
صرخت على “أ.ن.” بالعودة إلى القرية مع القطيع. بدأت اﻷغنام بالركض وظلّ الحماران وراءنا. عاد “أ.ن.” لإحضار الحمارين. وفورَ أن رأيتُ المستوطن قام بإطلاق الرصاصة اﻷولى في الهواء. وعندها رأيت المستوطن الثاني وهو ينحني ويجمع ظرف الرصاصة الفارغ. عندما رأى المستوطنان أنّنا عائدان غربًا صوب القرية بدآ باللحاق بنا. اقتربا منّا أكثر وأكثر. وواصلنا السير باتجاه القريىدة، ووقفا إلى جانب مدرّج زراعيّ يقع فوقنا على بعد قرابة ٣٠ مترًا. أطلق المستوطن رصاصة أخرى أصابت غنمة في بطنها. في ذلك الوقت حاول “أ.ن.” إعادة الحمارين. كان في الخلف أقرب منّي إلى المستوطنين. أطلق المستوطن رصاصة أخرى وأصاب غنمة أخرى. أصابت الرصاصة صدر الغنمة واندلق جزء من بطنها إلى الخارج، فنفقت الغنمة على الفور. أطلق المستوطن رصاصة ثالثة وأصاب بطن غنمة أخرى، فنفقت هي اﻷخرى فورًا. أطلق رصاصة رابعة اصابت رجل غنمة فكُسرت. وقد صوّب في كلّ مرة بشكل متعمد لإصابة الأغنام.
عندما رأيتُ اﻷغنام وهي تقع ميتة على اﻷرض تسمّرتُ في مكاني. كنتُ مصدومًا.
كان “أ.ن.” ينازع الحمارين من أجل إعادتهما إلى الأسفل. أطلق المستوطن رصاصة أخرى وأصاب حماري. حماري أكبر سنًّا من حمار “أ.ن.”. أصابته الرصاصة في قلبه فانهار الحمار على الفور ومات. عندما رأى المستوطنان أنّ الحمار نفق، وعندما بدأنا بالابتعاد، انطلقا راكضيْن صوب السفح المؤدي إلى مستوطنة هار برخاه. لم يصعدا صوب السفح مباشرة، بل قاما بدورة. وقد استغرق وصولهما إلى السفح نحو ربع ساعة. وعند السفح كانت تقف سيّارة سوبارو خاصّة لونها أزرق. لم يكن أحد فيها. دخلا السيارة واتّجها صوب الشارع.
أطلعنا ضابط مديرية الارتباط والتنسيق الإسرائيليّة على ما حدث. في الوقت ذاته أخبرت أنسبائي وأولادي أيضًا بما حدث. وقد حضر عدد كبير من سكان القرية. حضر أفراد “الارتباط الإسرائيليّ” إلى الموقع خلال أقلّ من ربع ساعة. بجانب مستوطنة هار برخاه ثمة برج مراقبة. وبما أنّ أفراد الارتباط وصلوا في أقلّ من ربع ساعة، وبما أنّ سيارة الجيب التابعة لهم قد سارت على الشارع نفسه الذي سار عليه المستوطنان، فإنّني أعتقد أنّ هناك احتمالًا جيدًا بأنهما شاهدوا بعضهم البعض على الشارع. حضر “جيب” الارتباط ولكنّه لم ينزل إلينا لعدم وجود طريق تؤدي إلينا. اتصل أفراد الارتباط الموجودون في الجيب إليّ وسألوني عن موقعي. قلتُ لهم إنّني في اﻷسفل وإنّني أراهم. وقد تأكّد من أنّني أنا الموجود في اﻷسفل وعندها نزلوا إلينا سيرًا على اﻷقدام. كانت الساعة قد قاربت السادسة مساءً.
حضر قرابة ٢٠ شخصًا من الجنود وأفراد مديرية الارتباط. لم أتعرّف على ضابط الارتباط عند وصوله، وأنا لا أعرف اسمه. كان قصيرًا. قال أحد أبنائي لضابط الارتباط إنّهم التقوا بالتأكيد بسيارة السوبارو الزرقاء التي تُقل المستوطنين اللذين أطلقا النار على الماشية. فقال أحد أفراد الارتباط -لم يكن الضابط- إنّ السوبارو لم يكن فيها سوى امرأة واحدة.
وفي أثناء التحقيق الشفوي حضرت الشرطة أيضًا: شرطيّان وشرطية، وكان معهم ثلاثة شرطيّين من حرس الحدود. حققوا معي لكنّهم لم يسجلوا إفادتي خطيًّا. التقط ضابط من حرس الحدود وشرطيّة الصورَ للأغنام وللحمار الميت. وحتى أنّهم أخذوني إلى الشجرة التي وقف المستوطن تحتها وصوّروني وأنا أعيد تمثيل كيفية ركوعه حين رأيته. بدأ الجنود بالبحث عن أظرفة الرصاص الفارغة. قلتُ لهم إنّهم يبحثون سدًى لأنّ المستوطن جمعها. كانت إحدى الغنمات التي أصيبت بالرصاص أول واحدة ما تزال تنازع. اقترح أحد الجنود أن نذبحها، وفعلًا ذبحناها مُضطرّين.
كانت الساعة قد بلغت التاسعة مساءً ولم يتسنَّ لنا تناول وجبة الإفطار التي كانت قرابة الساعة السابعة. عُدنا إلى البيت وتناولنا الإفطار الرمضانيّ. بعدها اتصل بي شخص أدركتُ أنّه من الشرطة، كي يسألني عن الحادثة. كان يتحدث العربيّة. أنا لا أعرف من هو. سجّل إفادتي الكاملة حول كل تفاصيل الحادثة وطلب منّي الحضور إلى الشرطة. قلت له إنّني مستعد للقائه عند مدخل القرية. قال إنّه سيتصل بي ثانية ولكنّه لم يفعل.
في صباح الغداة، يوم الجمعة الموافق 12.9.08، قرابة الساعة ٩:٣٠، اتصل بي شرطيّ آخر وسألني ما إذا كنتُ مستعدًّا للحضور إلى شرطة أريئيل. قلت له إنّ عليّ التوجّه لصلاة يوم الجمعة. قال لي إنّه سيتصل بي ثانية. اتصل بي الشرطيّ بعد الصلاة وقال إنّه لن يعمل يوم السبت، لكن علي الحضور للإدلاء بإفادتي في حوّارة. اتفقنا على الالتقاء عند الدوار بجانب الحاجز يوم السبت الساعة العاشرة صباحًا. أعطاني رقمي هاتف للاتصال بهما في حالة تأخرهم. في يوم السبت، قرابة الساعة السابعة والنصف أو الثامنة صباحًا، اتّصل بي الشرطيّ وطلب مني التوجّه إلى حوّارة، وقال إنّ عليّ الحضور في العاشرة صباحًا من يوم اﻷحد إلى ضابط ارتباط أعرفه. لم أذهب يوم اﻷحد لأنّ لي تجربة مع هذا الضابط: فإمّا أنّه غير موجود، أو أنني أجلس لساعتين ونصف في الخارج وفي النهاية لا يقابلني. أنا غير مستعدّ للخضوع لهذا اﻷمر ثانية. بعدها لم يتصل بي أحد.
المستوطن الذي أطلق النار كان أسمر البشرة ولعى رأسه “كيباه” (قلنسوة) كبيرة، وله سالفان طويلان ولحية. وقد ارتدى بلوزة بُنيّة طويلة امتدّت حتى ركبتيه، وكان عمره يراوح بين 30-25 عامًا. وكان المستوطن الثاني يرتدي الملابس ذاتها: بلوزة بُنية، وكيباه كبيرة، وله سالفان ولحية. كان أشقرَ، بشعره ولحيته وسالفيْه. وقد أخبرت الشرطة أيضًا بمواصفات المستوطنين. وسألوني إذا كان بوسعي التعرّف إلى المسستوطنيْن وقلتُ إنّ بوسعي التعرّف إليهما بكلّ تأكيد.
أنا أملك خمس غنمات وأربع عنزات وحمارًا. في يوم الخميس الموافق 11.09.08 خرجت مع أبو مرسي (كنية وليد عيد) لرعي الماشية. نحن نخرج أحيانًا سوية لرعي مواشينا. أنا أعمل في رام الله ولذلك يخرج في بعض اﻷحيان أخي أو ابن عمي لرعي الماشية. خرجنا في الظهيرة قرابة الساعة الثالثة، أو الثالثة والربع، باتجاه المنطقة الواقعة تحت مستوطنة هار برخاه. كنا في المنطقة التي تبعد عن المستوطنة نفسها. لم نتوقع أن يصل المستوطنان إلى هذه المنطقة، لأنّنا كنا بعيدين عنهما. فالمستوطنون لا يصلون عمومًا إلى هذه المنطقة. نحن في العادة حذرون جدًا.
في الساعة الخامسة، أو الخامسة والربع عصرًا، عندما كنا ننوي جمع المواد والماشية والعودة إلى القرية، سمعت أبو مرسي يصرخ بوجود مستوطنين وبأنّ عليّ جمع الماشي والهرب. لم يكد أبو مرسي يحذّرني حتى رأيتُ مستوطنًا يحمل بندقية 16-M ويركع بوضعيّة تصويب ويطلق الرصاصة اﻷولى. كنتُ واقفًا في الخلف، وكانت الماشية تقف متراصة ولم أتبيّن إصابة أيّ منها بالرصاص. بعد الطلقة اﻷولى بدأ أبو مرسي بالسير أمام الأغنام من أجل توجيهها باتجاه القرية. أمّا أنا فكنت أحمل شريطًا أسودَ وأشرت به للقطيع بأن يبدأ بالركض. حاولت حثّه على الإسراع. بدأت المعز بالنزول سريعًا إلّا أنّ الحمارين كانا مربوطين ببعضهما البعض ولذلك فقد أبطآ من حركتنا. بقيتُ بجانب الحماريْن وحاولت فكّهما ولكنني لم أنجح. كانت غالبية الماعز واﻷغنام قد تجاوزتنا ولم يظل في الخلف إلى اﻷعلى قليلًا إلّا جزء صغير من القطيع. وفيما بدأت اﻷغنام والحماران بالسير معي رأيت المستوطنين يقفان فوقنا بجانب المدرج الزراعي على بعد قرابة ٣٠ مترًا عنّا. صوّب المستوطن بندقية الـ 16-M وبدأ بإطلاق الرصاص، رصاصةً رصاصةً.
في المرات السابقة التي كنا نواجه فيها مستوطنين كانوا يطلقون الرصاص في الهواء، أو إلى جانب أرجلنا لإخافتنا، لكنّه صوّب هذه المرة قانصًا باتّجاه القطيع. قلت ﻷبو مرسي: إذا كان المستوطن يُصوّب باتجاه القطيع ويطلق النار بهدف القتل، لا لمجرّد إخافتنا، فإنّه يمكن أن يطلق الرصاص علينا.
لم أكن منتبهًا إلى إصابة اﻷغنام قبل أن يطلق المستوطن الرصاص على الحمار. لم أدرك إصابة اﻷغنام إلّا بعد أن بدأ القطيع بالنزول، وظلّت اﻷغنام المصابة على اﻷرض. بعد أن وقع الحمار ونفق، بدأ المستوطنون بالهرب صوب السفح. ساروا عبر التفافة طويلة سيرًا على اﻷقدام. لم أرَ ما حدث حين وصلوا إلى قمة السفح.
لم أرَ المستوطنين جيدًا لأنّني كنت منشغلًا مع الحماريْن، ومع الأغنام التي ظلّت في الخلف. كان أبو مرسي يراها أفضل مني. وهو الذي رآها أوّلًا.
اتّصل أبو مرسي بمديريّة الارتباط الإسرائيليّة فحضر أفراد منها ومن الشرطة ومن الجيش. بعد حضورهم جميعًا قال أحد الشرطيّين إنّ عليّ الحضور معهم إلى أريئيل للإدلاء بإفادتي. بعدها تراجعوا وسجلوا اسمي ورقم هاتفي، وقالوا إنهم سيتصلون بي لاحقًا. ومن وقتها لم يتصل بي أحد.