
أنا أعيش مع زوجي وأولادي الثلاثة، أولهم عمره 4.5 سنوات، والثانية عمرها سنتان والثالثة طفلة عمرها 3 شهور، في الحيّ الشماليّ- الشرقيّ من القرية. أنا مُدرّسة في مدرسة البنات في قرية يتما، أُدرّس مادتيِّ العلوم والتاريخ حتى مستوى امتحانات التوجيهي.
ورث زوجي من والديه الأرض التي شيّدنا عليها بيتنا، وانتقلنا للسكن هنا قبل سنتيْن. في السّنة الأولى كان الهدوء يسود المكان. وفي السنة الماضية وقع حادثان. في تموز/ يوليو 2018 نزل مستوطنون من يتسهار ووصلوا حتّى البيت وأحرقوا سيارات زوجي. وفي أيلول/ سبتمبر 2018 وصل مستوطنون حتى منزلنا، وكسّروا زجاج السيّارة ورشّوا كلمتي “تدفيع الثمن” على السّور المُحيط بالبيت. وجارنا عانى هو الآخر من عنف المستوطنين.
في يوم السبت، 13 نيسان/ أبريل 2019، حضر أصدقاء زوجي لمساعدتنا على وضع شبكة فوق السّور المُحيط بالبيت، وحضر معهم أيضًا أخي وأولاده. حضر أصدقاء زوجي بسيّاراتهم، وقام أحد الأصدقاء بركن سيّارته في الشارع فيما ركن صديق آخر سيارته في الساحة بجانب سيارة زوجي. عمل الرّجال منذ الصباح، وأنا جهّزتُ لهم الغداء. تناولنا الغداء قرابة السّاعة 15:00، فيما غادر أخي وأبناؤه قبل تناولهم الغداء معنا.
كُنا قد خططنا للتوجّه بعد الغداء لزيارة زوجة عمّي في عوريف حيث جرت هناك حفلة. وقد بدأت الحفلة السّاعة 15:30، لكنّني تأخرتُ بالخروج من البيت. خرجنا نحو السّاعة 16:00. دخلتُ إلى سيّارتنا التي كانت مركونة في السّاحة وأنا أحمل الطفلة قريبًا من جسمي، فيما كان الولدان الآخران قد جلسا في السيّارة من الخلف. وذهب زوجي لجلب مفاتيح السيّارة.
فجأة سمعتُ صوتًا يصرخ “مستوطنون” وفي اللحظة نفسها وقع حجر على السيّارة. رأيتُ مستوطنين قادمين عبر الطريق الترابيّة ويُلقون الحجارة على السيّارة. كانت الحجارة كبيرة، ولم أعرف ما عليّ فعله. حاولتُ الخروج من السيّارة. انحنيتُ لحماية الطفلة من الحجارة وبدأتُ بالصّراخ. استمرّ هذا الحدث لثوانٍ معدودة، وكنت خائفة بالأساس على الولديْن اللذيْن جلسا في السيارة من الخلف.
اقترب أحد المستوطنين جدًّا ووصل إلى جانب سيارتنا. وعندها حضر زوجي وفتح باب السيارة وأخرجني أنا والطفلة ودخلنا البيت. في الوقت ذاته، فتح ابني باب السيّارة وخرج منها داخلًا البيت. عاد زوجي إلى السيّارة وأخرج ابنتي وأدخلها إلى البيت.
بعد الحادثة لم ننم أنا والأولاد في البيت طيلة أسبوع كامل. ظلّ زوجي ينام وحده فيه. ابني يستيقظ في الليل مذعورًا، وبدأ يتبوّل وهو نائم ثانية.
أنا أعيش مع عائلتي شمال- شرق القرية، على بُعد قرابة 200 متر من المركز. البيت موجود في أطراف القرية، لكنّه ليس الأخير، فثمّة بيت آخر يقع أبعدَ إلى الشّرق. نحن انتقلنا للسكن هنا قبل سنة وعشرة شهور.
أنا أعمل مُدرّسًا في المدرسة الابتدائيّة في قرية عَوَرْتا، وأعمل بعد الظهر بالسفريات بسيارتي كإستكمال للدخل. منذ الأحداث العنيفة ضدّي التي بدرت عن مستوطنين قبل نحو سنة، توقفتُ عن العمل في السّفريات في السّاعات المتأخرة. زوجتي مُدرّسة أيضًا، ولنا ولد في الرابعة وبنتان، إحداهما عمرها سنتان وطفلة عمرها 3 شهور.
كان الهدوء يعمّ المكان في السنة الأولى على سكننا في البيت، ثم بدأت المشاكل مع مستوطنين من يتسهار التي على التلة المقابلة لنا. في تمّوز/ يوليو 2018 أحرقوا لنا سيّارتيْن في ساحة البيت. في آب/ أغسطس 2018 اشتريتُ سيّارة قديمة لأخذ قطع غيار منها، وألحقوا الأذى بها هي أيضًا، ومزّقوا الإطارات في سيارة جاري أيضًا. فيما بعد أدركتُ أنّ المستوطنين فعلوا ذلك انتقامًا على قيام الجيش بإخلاء كرﭭان غير قانونيّ تابع لهم. في الحالتيْن لم أتلقَّ المساعدة من أحد، واُضطررتُ لتشييد جدار حول البيت بقواي الذاتيّة وعلى حسابي.
في يوم السبت، 13/4/2019، كنتُ في البيت مع العائلة وحضر صديقان لمساعدتي في تركيب شبكات حماية فوق الجدار الاسمنتيّ المُحيط بالبيت. حضر كلّ صديق بسيّارته، وأوقف أحدهما السيارة في داخل السّاحة بجانب سيّارتي، والثاني أوقف سيّارته في الخارج.
قرابة السّاعة الرّابعة أدخلت زوجتي الأولاد إلى سيّارتنا وأنا دخلتُ البيت كي أُحضر المفاتيح. عندها، رأى أحد الصديقيْن مجموعة شُبّان تقترب عبر الطريق الآتية من الجهة الشرقيّة. كانوا يضعون الكوفيّات على رؤوسهم. وبدأوا بإلقاء وابل من الحجارة الثقيلة التي كانوا يضعونها في داخل ملابسهم. كانت زوجتي في المقعد الأماميّ مع الطفلة الصغرى، والولد والبنت الآخران في المقعد الخلفيّ.
أغلقتُ باب المطبخ الجانبيّ لمنع دخولهم إلى البيت وركضتُ مُسرعًا لإخراج زوجتي والطفلة الصغرى من السيارة لأنّهما كانتا مكشوفتيْن تمامًا تحت الحجارة. وقد نجحتُ بتخليصهما تحت وابل من الحجارة، وأدخلتهما إلى البيت.
عندما صار المستوطنون على قرابة أربعة أمتار من السيّارة، ركضتُ لتخليص الولديْن اللذيْن كانا يواجهان خطرًا حقيقيًّا. فتح ابني الباب وكانت ابنتي تُخرج رأسها من الشباك ولذلك كانا مُعرّضيْن للإصابة بحجر في الرأس في كلّ لحظة. نجحتُ بإخراجهما هما أيضًا من دون أذى لكنّني أُصبتُ بحجر في الكتف.
بعد حضور عدّة شبّان من القرية، بدأ المستوطنون يصعدون الجبل صوب يتسهار، ولكن ليس عبر الطريق التي أتوْا منها، فيما كان يقف في الأعلى عدّة مستوطنين مُسلّحين ينادون عليهم بأن يصعدوا.
لديّ أشرطة أخذتها من كاميرا الحراسة تُوثّق كلّ الحادثة. توجّهتُ إلى “التنسيق والارتباط” في حوّارة وقدّمت شكوى، وأعطيتهم نسخة عن الأشرطة. خلافًا للأحداث التي جرت في السّنة الماضية، فإنّ أحدًا من الشرطة لم يحضر لفحص البيت.
من الواضح لي أنّ المستوطنين أتوْا لإلحاق الضرر الجسديّ لنا، لأنّهم كانوا يعرفون متى سنكون في الخارج، وقد نجونا بأعجوبة. ومن وقتها تنام زوجتي والأولاد لدى عائلتها في القرية. ابني يشعر بالخوف طيلة الوقت ولا يتوقف عن التساؤل عن سبب فعلهم لذلك معنا. وهو يتذكّر أيضًا أنّهم أحرقوا السيارة عام 2018. إنّه يتبوّل وهو نائم ويطلب منّا مرافقته إلى الحمّام في ساعات النهار. أنا أنام وحدي في البيت على الكنبة، وأنا أنظر بنصف عين دائمًا إلى الشاشة الموصولة بكاميرات الحراسة. أنا مستعدّ لبيع البيت بسعر منخفض من أجل الخروج من هذا الحيّ.