
أنا من سكّان عوريف. يقع بيتي عند مدخل القرية بجانب الشرطة الفلسطينيّة. أنا أعيش هناك مع زوجتي وأولادي. لديّ ابنان وثلاث بنات. أكبرهم عمره 18 عامًا والصُغرى عمرها سنة وثلاثة شهور.
أنا أعمل بوابًا في مدرسة عينبوس منذ ثماني سنوات. أنا شخصيًّا لا أعاني من عنف المستوطنين لأنّ بيتي بعيد جدًّا عن المستوطنات. منذ عام 2000 دخل جنودٌ بيتي مرتيْن. أجروا تفتيشًا لكنّهم لم يعتقلوا أحدًا ولم يصادروا لنا ممتلكاتٍ أو نقودًا.
أنا أصل إلى مدرسة عينبوس كلّ صباح السّاعة 6:45. أنا أفتح وأنظّف الصفوف والمبنى وأُجهّزها للطلاب. في السّاعة 13:45 أنظّف وأغلق الصفوف ثم أعود إلى البيت. في السنة الفائتة أجرينا ترميماتٍ في مبنى المدرسة.
في يوم الثلاثاء، 28/1/2020، حضرتُ إلى مبنى المدرسة في السّاعة 6:45 صباحًا. عندما فتحت البوابة الرئيسة لاحظت وجود دخان واعتقدتُ أنّ حريقًا شبّ في داخل مبنى المدرسة. وكلّما اقتربتُ من المبنى صارت رائحة الدخان أقوى. تفحّصتُ ورأيتُ أنّ مِكبس الكهرباء الرئيس كان مطفأً. ففي كل يوم أنا أطفئ تيار الكهرباء المركزيّ مع انتهاء الدوام قبل أن أغلق المدرسة طيلة الليل. كان من الواضح لي أنّ الدخان لم يكن نابعًا من مشكلة في الكهرباء.
عندما دخلتُ المبنى اكتشفتُ أنّ مصدر الدخان كان في الصف الخامس. عندما فتحتُ باب الصفّ كانت هناك رائحة حريق قويّة ودخان أسود يلفّ المكان. رأيتُ أنّ أحد شبابيك الصفّ كان مفتوحًا، ويبدو أنّ إشعال النار في هذا الصفّ جرى عبر هذا الشباك.
على الفور اتصلتُ بمدير المدرسة وأبلغته بما أرى. ظلّ معي على الخط وأنا أتجوّل في كلّ غرف المدرسة وأبلغته بما أرى. يوجد في داخل المبنى عشرة صفوف تدريسيّة ومعها غرف للسكرتير والمدير والمُدرّسين. وفي المجمل توجد في المبنى 16 غرفة.
رأيتُ في الخارج أنّهم رشّوا كتابات بالعبريّة على الجهة الشماليّة من المدرسة. صحيح أنّني لم أتبيّن تمامًا ما كُتب هناك، لكنّني أدركتُ أنّ هذه فعلة من أفعال المستوطنين.
حضر مدير المدرسة برفقة الشرطة الفلسطينيّة السّاعة 7:15. دخلوا الصفّ الذي احترق، والتقطوا الصّور ووثقوا الموقع. في تلك الأثناء، وقرابة السّاعة 7:15، بدأ الطلاب بالحضور أيضًا. حلّت الفوضى وكان الأطفال مصدومين. لقد سبق واعتادوا على إلقاء الحجارة لكنّها المرّة الأولى التي يُحرق فيها صفّ من صفوفهم. وقد خاف الطلاب من أن يحضر المستوطنون إلى المدرسة وهم هناك.
قرابة السّاعة الثامنة بدأت الدراسة. انتقل طلاب الصف المحترق إلى غرفة بديلة وبدأوا هناك يومهم الدراسيّ. ثم بدأ المصوّرون بالحضور، والإعلام وممثلو منظمات حقوق الإنسان. أنا لا أعرف ما إذا حضر أفراد من الإعلام الإسرائيليّ أيضًا. كان الصفّ مليئًا بالدخان والسخام (السناج) وأسلاك الكهرباء المحترقة. يجب إجراء ترميمات في المكان.
اتصلت مديرية التنسيق والارتباط الإسرائيليّة برئيس المجلس، وقالوا له إنّهم سيحضرون إلى الموقع. انتظرتهم في المدرسة حتّى السّاعة 15:00، ولم يحضر أحد. عدتُ إلى بيتي في عوريف. في السّاعة 16:30 اتصل بي رئيس مجلس عينبوس وطلب منّي الحضور بسرعة إلى مبنى المدرسة لأنّ الجيش حضر وهم ينتظرون في الخارج ويطلبون حضوري كي أفتح لهم مبنى المدرسة ليلتقطوا الصور ويوثقوا ما حدث. حضرتُ إلى المدرسة بسيّارتي على الفور. كان في المكان الكثير من الجنود، أكثر من 30 جنديًّا ومن بينهم ضباط شرطة. فتحت البوابة الرئيسة فدخلوا إلى كلّ الصفوف وطلبوا منّي أن أشغّل تيار الكهرباء الرئيس.
بعد أن فتحت لهم المدرسة، أدخلني أربعة ضباط بلباس مدنيّ إلى الغرفة، وكان من بينهم واحد يتحدّث العربيّة، وأغلقوا الباب وسجّلوا إفادتي. أخبرتهم بما أخبركم به الآن. قالوا لي: “أنت الأول الذي وصل إلى الموقع ولذا نرغب بتسجيل إفادتك”.
كنتُ أتحدث وكانوا يُدوّنون ما أقول. بعدها طلبوا منّي التوقيع على ما كتبوه. رفضت التوقيع لأنّ النصّ كان بالعبريّة ولم أستطع تبيّن ما سأوقع عليه. طلبت من رئيس المجلس أن يأتي، فحضر وطلب منّي أن أوقع على ما كتبوا ففعلتُ. أنا أثق برئيس المجلس.
لقد فاجأتني هذه الحادثة- فنحن نتحدّث عن مدرسة. لقد وقعت في عوريف عدّة حالات تدفيع الثمن في الفترة الأخيرة ولذا فأنا غير متفاجئ. لكن من الجهة الثانية- هذه مدرسة يرتادها أطفال.

يقع بيتي في الحيّ الجنوبيّ، وأنا أعيش فيه مع زوجتي وأولادي. لديّ ستّة أبناء وبنتان. الأكبر عمره 32 عامًا والأصغر 12 عامًا. لديّ 13 حفيدًا. منذ ثلاث سنوات وأنا أؤدي مهام رئيس مجلس عينبوس تطوّعًا. قبل ذلك، كنت عاملًا ومقاولًا في إسرائيل من جيل 16 حتى 50 عامًا.
قبل سنتيْن حصل ابني الذي يعمل معي على عمل لشقّ طريق زراعيّة في أراضي عينبوس التي تقع في منطقة B. حين بدأ العمل هناك حضر أكثر من ثلاثين مستوطنًا من جهة يتسهار وألقوا الحجارة عليه، وكسروا زجاج الجرافة، وثقبوا الدواليب بالسّكاكين وقطعوا الأسلاك الكهربائيّة فيها.
الجيش يُنكّل بنا أيضًا. فهم يأتون ويدخلون بيتنا في منتصف الليل ويقولون لنا إنّهم جاءوا للبحث عن أسلحة. ومنذ عام 2006 وحتى اليوم اقتحموا بيتنا أكثر من 15 مرّة.
أنا رئيس المجلس ولذلك أعرف كلّ هذه الحوادث. لا يكاد يخلو كلّ أسبوع من الحوادث. لقد اعتدنا على هذا الروتين لدرجة أنّنا لا نُبلغ بكلّ حادثة. لقد سئمنا تقديم الشكاوى والتشكّي.
في السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة وقعت في عينبوس عدّة أحداث تدفيع الثمن. نحن نشهد فترات هادئة تليها فترات ترتفع فيها الحوادث، بمعدل حادثين أو ثلاثة في الشهر الواحد.
المستوطنون يملكون قدرة على الوصول إلى قريتنا من عدّة جهات، ونحن لا ننجح بحماية القرية. أنا غير قادر على وضع حرّاس حول مدرسة الأولاد لأنّها قريبة جدًّا من مستوطنة يتسهار. هذا أمر خطر جدًّا. الفلسطيني الذي يمكث هناك يُعرّض نفسه لخطر كبير بسبب المسافة القريبة من المستوطنة.
يُمكن للجنود أن يطلقوا النار بسهولة على فلسطينيّ يمكث في المنطقة بحجّة أنّ الفلسطينيّ جاء للاعتداء عليهم وعلى مستوطنتهم. وهذا يُجرّدنا من القدرة على حماية أولادنا، وقريتنا، وأنفسنا.
في يوم الثلاثاء الموافق 28/1/2020 كنتُ أمكث في بيتي بالقرية. اتصل بي بواب المدرسة السّاعة 7:30 صباحًا وأبلغني بإضرام النار في أحد الصفوف التدريسيّة، وبرشّ كتابات بالعبريّة على الجدار الخارجي عند الجهة الشماليّة للمدرسة.
أبلغت مديرية التنسيق والارتباط الفلسطينيّة والشرطة الفلسطينيّة على الفور. واتصلتُ أيضًا بوزارة التربية الفلسطينيّة في حوّارة وأبلغتهم هم أيضًا بما حدث. خرجت متوجّهًا إلى المدرسة التي تبعد نحو 200-300 متر عن مركز عينبوس، ونحو كيلومتر واحد عن النقطة العسكريّة شماليّ المدرسة.
عندما وصلتُ إلى الموقع رأيتُ أنّهم أحرقوا عدّة طاولات دراسيّة ومعها نحو أربع كراسٍ. كانت الأرضية قد احترقت أيضًا، والأسلاك الكهربائيّة تضرّرت هي الأخرى جراء الحريق، وانتشر الفحم الأسود في الصفّ. هذا الصف الدراسيّ يسع نحو 30 طالبًا أعمارهم 11 سنة من الصف الخامس.
عندما وصلتُ كانت النار قد أُخمدت، ولكن الدخان كان يعمّ الصفّ كله. وفي خارج المدرسة، على الجدار الشماليّ رُشّت الكتابات: “يجب هدم بيوت الأعداء فقط”، و”سلام من كومي أوري”، ومعها رسمة لنجمة داود.

بلّغتُ مديريّة التنسيق والارتباط الفلسطينيّة وهم أجروا اتصالًا مع المديريّة الإسرائيليّة. قرابة الساعة 9:30-10:00 تلقيتُ اتصالًا هاتفيًا من مديريّة التنسيق والارتباط الإسرائيليّة، وتحدثوا معي بالعربيّة والعبريّة. سألوني عمّا حدث في المدرسة وأخبرتهم. قالوا لي إنّهم سيُرسلون قواتٍ السّاعة 12:00. بعدها اتصلوا بي ثانية وقالوا إنّ المسألة تأجّلت وسيصلون السّاعة 13:00. اتصلوا بي أربع أو خمس مرات أخرى، وفي النهاية حضرت عدة سيارات جيـﭗ عسكريّة إلى المدرسة السّاعة 15:00. وفي المحادثة الهاتفيّة الأخيرة التي وصلتني من المديريّة الإسرائيليّة طلبوا مني انتظار القوات عند مدخل عينبوس الرئيس. انتظرتُ هناك منذ الساعة 14:00 كما قيل لي.
في السّاعة 15:00 حضر أولاد من القرية وأبلغوني بأنّ الجنود صاروا في داخل القرية. انطلقت باتجاه المدرسة على الفور وهناك التقيت بالجنود. كان من المهم لي أن أكون هناك كي أمنع أيّ تماس بين الأولاد والجنود. ركن الجنود سيّاراتهم في الأسفل وصعدوا مشيًا إلى مبنى المدرسة. كانوا أكثر من 20 جنديًّا ومعهم ثلاثة أو أربعة شرطيّين. سمعتُ أنّ الشرطيين عرفوا عن أنفسهم بأنهم من الوحدة المركزية التابعة لمحطة شرطة يهودا والسامرة (يمار شاي).
دخلوا إلى المدرسة ومكثوا فيها نحو الساعة أو الساعة والنصف. ظللتُ معهم. التقطوا الصّور وسجّلوا إفادة بوّاب المدرسة الذي كان أوّل الحاضرين إلى الموقع في الصباح. في النهاية وقّع على الإفادة التي أدلى بها. كان يخشى من التوقيع باسمه لكنّني أقنعته بالتوقيع. إنّه لا يقرأ العبريّة ولذلك لم يكن بوسعه أن يقرأ الإفادة التي وقع عليها. لم يقرأوا عليه ما دوّنوه باسمه ولم يترجموا له الإفادة. بعد أن وقّع على الإفادة ركبوا السيارات وغادروا المكان. لم يأخذوا إفادة مني.