
أنا رئيس مجلس قرية دير الحطب. القرية موجودة على بعد قرابة خمسة كيلومترات شرقيّ مدينة نابلس ويسكنها نحو 2,400 نسمة. على بعد 800 متر شماليّ- شرقيّ القرية تقع مستوطنة ألون موريه.
تبلغ مساحة أراضي القرية الشاملة 11,000 دونم، من بينها 7,655 دونمًا لا نستطيع الوصول إليها بتاتًا بسبب المستوطنات، والمستوطنة نفسها شُيّدت على 1,500 دونم من هذه الأراضي. يحظر علينا الجيش الوصول إلى الأراضي الموجودة داخل المستوطنات، إلى جانب أنّنا نخاف جدًا الوصول إلى الأراضي المحيطة بالمستوطنة بسبب تنكيلات المستوطنين. ويُسمح لنا بالدخول إلى 1,000 دونم أخرى من الأراضي تحت شروط مقيّدة وبالتنسيق المسبق مع الجيش. أي أنّنا بقينا في واقع الأمر مع 1,000 دونم فقط يمكننا استخدامها بشكل سويّ. هذا أمر لا يُصدّق، فلدينا الكثير من الأراضي، آلاف الدونمات، لكنني لا نستطيع الوصول إليها.
وقد ألحق هذا الوضع الأذيّة الكبيرة بعائلات تعتمد على الزراعة كمصدر رزقها. نحن سكّان مزارعون وكنّا في السابق لا نعمل إلّا في الزراعة. ولكن بسبب مشاكل الوصول إلى الأراضي، ولأنّه تبقى لنا بالكاد القليل من الأرض، فإنّنا بدّلنا روتين حياتنا.
بدأت المشاكل مع اندلاع الانتفاضة الثانية وتفاقمت من وقتها. ومنذ عام 2001 لا يُفوّت المستوطنون فرصةً لأذيّتنا. فهم يهاجموننا في الأراضي ويطردوننا منها، ويلقون الحجارة وحتى أنّهم يستخدمون أسلحتهم من أجل ترويعنا. وقد توقف الكثير جدًا من المزارعين عن الذهاب إلى الأراضي المحيطة بالمستوطنات لأنّهم يخافون ذلك. هذه مسألة جدّ خطيرة، ووقعت الكثير من الحالات التي حاول فيها المزارعون الوصول إلى أراضيهم فجرى الاعتداء عليهم، وبعضهم جُرح أو قُتل. وقد لحق ضرر كبير بالأراضي بسبب عجزنا عن الاعتناء بها كما يجب في كلّ فصول السنة.
نحن نعجز عن وصف معاناتنا نتيجة لما يقترفه المستوطنون. لكنّ المشكلة الأخطر تكمن في أنّ الجنود يقومون في غالبية الاعتداءات بمساعدة المستوطنين على التهجم علينا، ويرونهم وهم يعتدون أو يقطعون الأشجار أو يحرقون ممتلكاتنا ولا يُحرّكون ساكنًا. وقد حدث هذا في الكثير من المرّات.
أنا نفسي أملك 40 دونمًا مزروعة بأشجار الزيتون، ولعائلتي 300 دونم أخرى. قبل عام 2001 كنّا نملك أكثر من 5,000 شجرة زيتون. واليوم لا يمكنني معرفة عدد الأشجار التي تبقّت لي لأنّن عاجز عن الذهاب لرؤيتها هناك، كون هذه الأراضي في داخل المستوطنة. حاولت كثيرًا ولكنّني لم أنجح. حاولتُ أيضًا التنسيق مع الجيش ولكنّني لم أحصل على إذن. في السنوات الأخيرة أحرق المستوطنون مئات أشجار الزيتون، بعضها لي وبعضها لمزارعين آخرين في القرية. نحن غير قادرين على الوصول إلى الأراضي ولكن يمكننا رؤية الدخان المتصاعد أحيانًا من أراضينا، إلى جانب أنّ مديريّة الارتباط الفلسطينيّة تُطلعنا على التفاصيل. وجرت أيضًا عمليات قطع واقتلاع لمئات الأشجار. المستوطنون في ألون موريه عنيفون جدًّا.
في يوم 17.3.2010، نجحنا في التنسيق مع مديريّة الارتباط ومع الجيش من أجل الوصول إلى الأراضي المحيطة بمستوطنة ألون موريه. خرجت برفقة 9 مزارعين إلى المكان، ووصلنا إلى هناك الساعة الثامنة صباحًا وبدأنا العمل في أراضينا. كُنّا ننوي حرث الأراضي لأنّ موسم الحرث قد حلّ.
حضر معنا ضابط من الارتباط وجنديّة، ولم تكن قوّات أخرى. ونحو السّاعة 10:30 حضرت أربع مستوطنات إلى أراضينا. اقتربنَ من ضابط الارتباط وبدأن بالحديث معه. فهمتُ أنّهن يحتججنَ على أنّنا نعمل في أراضينا وطلبنَ من الضابط أن يطردنا من المنطقة. بعد عدّة دقائق حضر مستوطنان آخران وبدآ هما أيضًا بالحديث مع الضابط ومع الجنديّة، وبدأوا بشتمنا وبتهديدنا، وطلبوا منّا الخروج من الأراضي، ولكنّنا واصلنا العمل.
بعد عدّة دقائق حضر مستوطن آخر، حريديّ على ما يبدو، يرتدي ملابس تشبه ملابس الحريديّين. كان يبدو في جيل الثلاثين، مع ذقن، شعره أحمر وسمين، واقترب منّا فورًا وبدأ بالسبّ والتهديد، ودفعني على الأرض وقال إنّني إذا لم أخرج فسيتأزّم الوضع ولن نخرج بسلام. حاول الضابط أن يُهدّئ المستوطن ولكن بلا جدوى. بعد أن صعّد المستوطن كلامه، هدّد الضباط باستدعاء الشرطة إذا لم يتوقّف، وعندها ترك هذا المستوطن المكان وتوجّه صوب المستوطنة.
بعد نحو خمس دقائق حضر مستوطنان شابّان آخران، وشتمانا وهدّدانا ثم ألقوا الحجارة علينا. بعد عشر دقائق وصلت سيّارة جيݒ عسكريّة أخرى، وكان فيها ثلاثة جنود، فيما كان المستوطنون يلقون علينا الحجارة. أنا أُصبتُ في رجلي بحجر، وقسم آخر من المزارعين أصيبوا بالحجارة أيضًا.
حاول الجنود إبعاد المستوطنين ولكن بلا جدوى. وبعد قرابة السّاعة حضرت سيّارة شرطة. تحدّث الشرطيّون مع الضابط الذي كان حاضرًا في المكان وسجّلوا إفادته. في أعقاب ذلك اعتقل الشرطيّون أحد المستوطنين وأخذوه إلى محطة الشرطة. طلب الشرطيّون منّي الحضور إلى المحطة لتقديم شكوى. في ذلك اليوم، نحو السّاعة الثانية، وصلتُ إلى شرطة أريئيل، وهناك قدّمتُ الشكوى، ورأيتُ المستوطن الشاب المعتقل، الذي كان أكثر المعتدين عنفًا من بين المجموعة التي هاجمتنا.
للأسف لم ننجح في مواصلة عملنا في المنطقة رغم أنّنا انتظرنا فترة طويلة قبل تنسيق حضورنا إلى هناك، وذلك بسبب اعتداء المستوطنين علينا بالحجارة، والفوضى الكبيرة التي حدثت. عندما حضرت الشرطة والجيش أخبرونا بأنّ مديريّة الارتباط طلب إنهاء العمل لأنّ الوضع في المكان متأزّم.
أنا من سكّان قرية دير الحطب، وأعمل مزارعًا. غالبيّة أراضي القرية موجودة في الجانب الشماليّ- الشرقيّ من القرية، حيث تقع اليوم مستوطنة ألون موريه. نملك أنا وأفراد عائلتي 600 دونم في هذه المنطقة، وهذه الأراضي مغروسة بأشجار الزيتون. اسمه المنطقة هو “خلة إسماعيل”. ونحن نعاني معاناة شديدة من تنكيل المستوطنين المستمرّة، ولسنوات طويلة. وقد أحرق المستوطنون مئات الدونمات التابعة لنا، واقتلعوا مئات الأشجار واستولوا على أراضٍ كثيرة في هذه المنطقة، وكُلّ ذلك بدعم من الجيش.
في عام 1997 أحرق مستوطنون 300 دونم، وفي عام 2007 أحرق مستوطنون أكثر من 70 دونم أخرى تابعة لنا. ولا يمكنني أنا وعائلتي الوصول إلى غالبية الأراضي التابعة لنا، ولذلك من الصعب علينا معرفة وضعيّة الأراضي. أمّا بخصوص جزء من الأراضي فلا يُسمح لنا بالوصول إليها إلّا بعد التنسيق مع الجيش والارتباط، ويكون التنسيق عادةً في غاية الصعوبة، وحتى في حال نجحنا بالتنسيق فإنّه يكون محصورًا في فترة قصيرة جدًا. ولا يسمح لنا الجيش بالوصول من دون تنسيق وهم يطردوننا بالقوّة، فيما يهاجمنا المستوطنون في الأراضي في كلّ مرة نكون فيها هناك، حتى مع التنسيق.
أدّى هذا الأمر إلى إلحاق أضرار كبيرة جدًا بالأراضي والأشجار، لأنّها لا تتلقى العناية اللازمة، وأدّى أيضًا إلى أزمة اقتصاديّة خانقة لقسم كبير من سكّان القرية الذين يعتمدون على الزراعة كمصدر دخل.
لديّ نحو 50 دونمًا داخل سياج ألون موريه، لا أستطيع الوصول إليها منذ سنوات طويلة. الكثير جدًا من الأراضي موجودة حول المستوطنات وليست هناك طريق للوصول إليها لأنّ المسألة خطيرة جدًا. كانت حالات أطلق فيها المستوطنون النار على مزارعين حاولوا الوصول إلى أراضيهم. لم يقدّم الناس الشكاوى لأنّهم يعتقدون أنّ الأمر بلا جدوى. الجيش يقف متفرّجًا، وفي بعض الحالات رأينا الجيش نفسه يشارك في الاعتداءات. في موسم الزيتون الأخير، ورغم التنسيق مع الجيش، حضر مستوطنون واعتدوْا علينا، ولم يسمحوا لنا بقطف الزيتون، وشارك الجنود في الاعتداء: ألقوا الحجارة علينا بمعيّة المستوطنين، وفوق ذلك ضربونا وطردونا من الأرض.
في يوم 17.3.2010 نجحنا في الوصول إلى الأراضي بعد فترة طويلة جدًا من محاولات التنسيق مع مديريّة الارتباط مسألة حضورنا إلى المنطقة. خرجت برفقة رئيس المجلس وسبعة مزارعين آخرين من القرية بغية حرث الأراضي، رغم أنّ يومًا واحدًا لا يكفي أبدًا.
وصلنا إلى الأراضي قرابة السّاعة الثامنة صباحًا وبدأنا بالعمل. كان معنا ضابط من الارتباط الإسرائيليّ، ومعه جنديّة. أنا أملك قطعة أرض قريبة جدًّا من الشارع الالتفافيّ المؤدّي إلى مستوطنة ألون موريه. ذهبت إلى هناك من أجل بدء الحرث. اقترب مني الضابط وطلب منّي مغادرة قطعة الأرض، وهي من ستة دونمات، لأنّه ادّعى أنّه لم يجرِ التنسيق بصددها. وطلب منّي العمل في قطعة أخرى. عندها توجّهتُ إلى قطعة أرض أخرى بجانب النبع.
قرابة السّاعة 10:30 رأيتُ أربع مستوطِنات تقترب منّا. بدأنَ بالصراخ علينا كي نخرج من أرضنا. توجّهنَ من الضابط وبدأنَ بالحديث معه، وطلبنَ منه أن يطردنا من هناك، فيما واصلتُ العمل. بعد نحو 10 دقائق حضر مستوطن آخر بدا حريديًّا وبدأ بسبّنا وتهديدنا، وطلب منّا الخروج من الأرض فورًا، وإلّا فإنّنا لن نخرج بسلام على حدّ تعبيره. حاول الضابط أن يُبعده لكن من دون نجاح. دفعني المستوطن وحاول إسقاطي على الأرض. وعندها تدخّل الضابط وهدّد باستدعاء الشرطة إذا لم يتوقّف، وترك المستوطنة الأرض مغادرًا صوب المستوطنة.
بعد مرور عدّة دقائق حضر ثلاثة مستوطنين آخرين وبدأوا فورًا في إلقاء الحجارة، وتهديدنا، وشتمونا بأقذع الشتائم. وقد سبّونا بالعربيّة والعبريّة وكانوا عنيفين جدًّا، كلاميًّا وجسديًّا. أُصبتُ بيدي بحجر. وعلى ما يبدو أنّ الضابط استدعى جنودًا آخرين، وبعد عدّة دقائق حضرت سيارة جيݒ فيها ثلاثة جنود. وواصل المستوطنون إلقاء الحجارة، فيما حاولنا نحن المزارعين الهرب، إلّا أنّهم لاحقونا.
ابتعدنا، لكنّنا ظللنا في المنطقة. وبعد نحو السّاعة حضرت سيّارة شرطة. سجّلوا إفادة الجنود والضابط وسجّلوا إفاداتنا أيضًا. وقد أوقفوا أحد المستوطنين وأخذوه، وطلبوا منّا تقديم شكوى لدى شرطة أريئيل. وفي الغداة توجّهت وقدّمت شكوى في شرطة أريئيل، وعرض عليّ المحقق صورًا لمستوطنين وأنا تعرّفت بأحد المعتدين.