
أعمل في شركة لتسويق المشروبات الخفيفة ، ومقرّها في قرية أودلا المجاورة لقريتي. اسم الشركة “المدموج”. أعمل مندوب مبيعات، وأسافر كلّ يوم إلى قرية أخرى لبيع المشروبات والمواد الغذائيّة الأساسيّة مثل السكّر والأرُز. لديّ سيارة تجاريّة صغيرة طِراز فولكس ڤاجن. آتي في الصباح إلى أودلا، أحمّل البضائع في السيارة وأخرج إلى القرى المجاورة. أخرج قرابة الساعة الثامنة صباحًا، وأعود إلى البيت في الخامسة والنصف عصرًا.
في ذلك اليوم، الأوّل من تموز، أيّ يوم حدوث الواقعة، كنت على خط قلقيلة-جيت-الفندق. أنهيت عملي قرابة الساعة الخامسة والنصف- السادسة، سرتُ في شارع 55 بقرب المدخل إلى مستوطنة كدوميم، في الطريق إلى جيت. وصلت إلى الناحية المقابلة لمحطة الوقود، وقد وقف على الناحية اليمنى، حيث سِرت، ثلاثة مستوطنين، ووقَفَت أمامهم، على يسار الشارع، من ناحية المستوطنة، سيارة جيݒ عسكريّة. قفز المستوطنون أمام سيارتي وأوقفوها. أجبروني على إيقافها. لو تقدّمت، لدهستهم. ظننت أنّ هناك تفتيشًا بسبب وجود سيارة الجيݒ العسكريّة. أوقفت سيارتي وقام أحد المستوطنين بفتح الباب. أمسك بي إثنان من سترتي وشعري، وسحباني بقوةٍ خارج السيارة. بدا لي أنّهم في العشرينات، دون سوالف أو لحى، وقد اعتمروا قلنسوات (كيݒا)، بشرتهم فاتحة وشعرهم فاتح. كان أحدهم وحشيًّا. رأيت أنّ أحدهم كان يضع مسدّسًا على جنبه ولكنه لم يستخدمه. إذا رأيتهم مرة أخرى يمكنني التعرّف إليهم.
سحبوني خارج السيارة وبقي المحرّك مشغّلًا. جلس أمامنا الجنود في سيارة الجيݒ العسكريّة. أخذ المستوطنون يضربونني بقوة، طرحوني أرضًا وضربوني على وجهي. سال الدم من فمي، وبدؤوا بركلي في بطني. أمسكوني من رأسي وخبطوه بالشارع. سال الدم من كلّ مكان في وجهي. مزّقوا سترتي. وجّهوا ضرباتهم نحو الجزء العلويّ، من خاصرتي فما فوق، وليس نحو الجزء السفليّ، بدأت أتقيأ دمًا. استمر ذلك لخمس-ست دقائق، من ثم ازدحمت حركة المرور في الشارع، لم يخرج الناس من سياراتهم ولم يتحرّكوا. اجتاز الجنديان اللذان كانا في سيارة الجيب العسكريّة الشارع، وقدما نحوي لتسيير حركة المرور. عندما رأى المستوطنون الجنديان يقتربان، ساروا ببطء نحو مستوطنة كدوميم، باتّجاه محطة الوقود. لم يقترب منّي الجنديان على الإطلاق، وتركاني ممددًّا على الشارع.
ترجّل بضعة فلسطينيين أعرفهم من سياراتهم وسألوني ما إذا وددت أن يتصلوا بأحد من عائلتي أو من قريتي. قلت لهم “لا حاجة”، غسلوا وجهي ورأسي، واقترحوا اصطحابي إلى المستشفى. لم أرد أن أقلق عائلتي. ركبت سيارتي، وضعت حزام الأمان وانطلقت، ولكنني شعرت بأنّني غير قادر على إبقاء المقود مستقيمًا، شعرت أنّ رؤيتي أصبحت مشوّشة. نجحت في الوصول إلى أودلا بطريقة ما، عند وصولي إلى الشركة، فقدت وعيي ولا أذكر ما حدث بعدئذ. عندما أفقت، كنت ممدّدًا على أرضية منزلي. اتّضح لي لاحقًا أنّ عاملي شركة المشروبات أخذوني إلى المنزل وأنا فاقد للوعي.
عندما أفقت قرابة الساعة السابعة والنصف لم أجد أحدًا في المنزل، كان هناك حفل زفاف في القرية، وجمعيهم ذهبوا إلى هناك. بدأت أتقيأ دمًا. رآني أحد الجيران، واتّصل بأحد أقربائي الذي كان في حفل الزفاف. أخبر قريبي والديّ، ومن ثم أتيا إلى المنزل. فقدت الوعي مجددًا، وأفقت في مستشفى رفيديا في نابلس، كان ذلك في الساعة الثامنة والنصف مساءً، على ما أعتقد. بقيت في المستشفى حتى الساعة الخامسة من اليوم التالي، بعد أن أجروا لي فحوصات وأعطوني أدوية. استمريت في الأكل والتقيؤ، ورافقني شعور بالغثيان.
أخذت إجازة من العمل لخمسة أيام، واستلقيت طوال الوقت. أعمل حتى الآن ليوم وأرتاح ليوم، أو أعمل ليومين وأرتاح ليوم، لأنّني أشعر بالسوء.
كنت مع زوجتي في حفل زفاف في القرية في ذلك اليوم، الأول من تموز. قدم نحوي أحد أقربائي وقال لي إنّ ابني تلقى ضربات في بطنه من مستوطنين. عدت إلى المنزل فورًا مع زوجتي ووجدنا ابننا ممدًدًا على الأرض، وقد سال دم من فمه. أخذت أتكلّم معه ولكنه لم يجب. رفعته بسرعة وأدخلته إلى شاحنتي التي وقفت بجوار المنزل. لم انتظر سيارة الإسعاف لأنّ ابني كان فاقدًا للوعي، وخرجت بسرعة. ذهبت إلى نابلس، إلى مستشفى رفيديا. قطعت عدّة إشارات ضوئيّة حمراء لأنّني كنت قلقًا جدًا.
قرار سلطات تطبيق القانون في نهاية التحقيق
على أثر الاستئناف الذي قدّمته ييش دين في تموز 2010، عاودت الشرطة فتح ملّف التحقيق. في شهر أيلول 2010، أُغلق الملّف مجدّدًا، إذ ادّعت الشرطة أنّه لم يكن لدى الجيش أيّ توثيق للواقعة، وأنّ الشخص التي تم التعرّف إليه على أنّه المعتدي لم يكن متواجدًا في البلاد في تاريخ الواقعة.