
في صبيحة يوم السبت، 5.3.2005، خرجتُ لحرث قطعة الأرض التي أملكها. الأرض موجودة شمال-شرق القرية على بعد نحو 600 متر من الشارع المتفرّع عن مفترق تݒُوّاح صوب القرية، وعلى بعد نحو كيلومتر واحد من مستوطنة كفار تݒُوّاح الواقعة على السفح المقابل. عملتُ في الأرض وَحدي، وقرابة الساعة 14:00 وجدتُ نفسي مُحاطًا بنحو ستة مستوطنين شبان. راوحت أعمارهم بتقديري بين 17-22 عامًا، ولم يكونوا يرتدون ملابس مع رموز دينيّة ومن دون أيّ ملامح خاصّة. ولو رأيتهم ثانية سأكون قادرًا على التعرّف بهم.
أمسك اثنان منهم بيديّ وطوَياهما بقوّة وراء ظهري، ثمّ ضربني الثالث بلكمة على عيني. يمكنني التعرّف بالأوّل الذي ضربني لأنّه كان طويلًا وأصهبَ (أحمر الشعر). لا أذكر شكل الآخرين جيدًا، لأنّهم كانوا وهم يضربونني يُغطّون وجوههم بقبّعات المعاطف التي كانوا يرتدونها. لم يكونوا حليقي الذقون بل كان الشهر القصير يغطي وجوههم. قام أحدهم بالتقاط حجر وضربني به على رأسي. نزف الدم من رأسي وغمر وجهي. بعدها دفعوني من المُدرج الزراعي الذي كان ارتفاعه نحو المتر وهربوا.
صرختُ طالبًا النجدة، وكان راعي ماشية مواشٍ أعرفه –اسمه و.أ.- في الجوار وسمعني فاستدعى النجدة. ساعدني على الوصول إلى بوابة الحارس الذي كان موجودًا عند مدخل مستوطنة كفار تݒُوّاح. استدعى الحارسُ الشرطة ولحظتها تمامًا وصلت سيّارة جيب عسكريّ وأخذوني حتى مفترق تݒُوّاح. وهناك تفحّص شرطيّ بطاقة هويتي وأعطاني استدعاءً لشرطة أريئيل ليوم الأحد، 6 آذار، الساعة 10:00 صباحًا لتقديم شكوى.
عند المفترق ركبت سيّارة إسعاف عسكريّة وتلقيت إسعافًا أوّليًا. بعد فترة وصلت سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر ونقلتني قرابة الساعة الرابعة أو الخامسة إلى مستشفى رفيديا في نابلس، وهناك تلقيت علاجًا طبيًّا. في السّاعة 19:00 عُدت إلى البيت.
ورد في الرسالة الطبيّة التي تلقيتها أنّني أصبت بإصابتيْن في الرأس وجرى قطبهما، واحدة فوق الصدغ بثلاث قُطب، وإصابة فوق الجبهة بخمس قُطب. عانيت من نزيف دمويّ وانتفاخات حول وتحت العين اليسرى، وكدمة في الجزء العلويّ من اليد اليسرى.
في الغداة، في ساعات الصباح ليوم الأحد، 6.3.2005، تلقيت اتصالًا من شرطة أريئيل وأخبروني بتأجيل استدعائي إليهم ليوم الأحد في الأسبوع التالي، الثالث عشر من آذار.
عند حضوري إلى الشرطة طلبوا مني التعرّف بالمشبوهين في حاسوب الشرطة. عرضوا عليّ نحو ستّ صور، لكنّني لم أتعرّف بأيّ شخص في أيّ صورة. لم تكن الصور لأي شاب من الشبان الذين اعتدوْا عليّ. في الخامس عشر من آذار اتّصلوا بي وقالوا إنّهم ألقوْا القبض على مشتبه به وأنّ عليّ القدوم لتشخيصه. وفي هذه الحالة أيضًا لم أتعرّف بأيّ شخص من المُعتدين.
في يوم السبت 5.3.2005 كنتُ أرعى الأغنام في أرضي بين الساعة 13:00 و14:30 تقريبًا. كنتُ أنتظر قدوم أولادي من المدرسة كي يستبدلوني في حراسة الأغنام. نظرتُ صوب الممرّ الذي من المفترض أن يأتي الأولاد منه، وهو يقع باتجاه التلّة التي نُصبت عليها هوائيّة، وهي تلّة تقع جنوب-شرق مستوطنة كفار تݒُوّاح. في ذلك الوقت كان م.ح. يعمل في أرضه على التلّة المقابلة لي، وكان هناك وادٍ يمتدّ بيننا. كنتُ على بعد قرابة الكيلومتر الواحد.
فجأةً سمعتُ صراخًا. نظرتُ صوب الجهة التي علا منها الصراخ ورأيت عدّة أشخاص يرتدون الملابس السّوداء، وكنت أعرف أنّ م.ح. هناك أيضًا لأنّني سبق ورأيته يعمل هناك. لا أعرف عدد الأشخاص الذين كانون هناك.. أقدّرهم بـ 5-8 أشخاص. ثم اعتدوا على م.ح. كنتُ بعيدًا ولكنّني كنتُ قادرًا على رؤيتهم يعتدون على م.ح. صرختُ بصوت عالٍ جدًّا، وعندها فرّ المعتدون. هربوا صوب مستوطنة كفار تݒُوّاح، وعندما رأيتهم يهربون أدركتُ أنّهم مستوطنون. ركضتُ لإخبار الجيش عند الحاجز الموجود على مدخل كفار تݒُوّاح. وعندها بالضبط وصلت سيّارة إسعاف فلسطينيّة، فتحدّثت مع السائق كي يطلب هو أيضًا من الجنديّ الذي يحرس المفترق أن يستدعي الشرطة.
ظلّ “ف”، ابني، مع الأغنام. ركضتُ باتّجاه م.ح. لمساعدته. كان مصابًا بكلّ مكان وينزف الدم ولا يقوى على النهوض. أخذت م.ح. وساعدته على السير ومررنا مقابل كفار تݒُوّاح. في تلك اللحظة حضرت سيّارات عسكريّة اُستُدعيت إلى المكان. صحتُ عليهم بأن يستدعوا سيّارة إسعاف. جلس م.ح. على الشارع إلى أن حضر الإسعاف الأوّليّ العسكريّ. وبعد 10 أو 15 دقيقة حضرت سيّارة إسعاف عسكريّة وقدّموا له الإسعاف الأوّليّ. اتّصلت إلى بيت م.ح. كي يحضروا بطاقة هويّته لنتمكّن من نقله إلى المستشفى.
رأيتُ المستوطنين الذين اعتدوا على م.ح. يعاودون الدخول عبر بوابة كفار تݒُوّاح. أنا متأكّد من أنّ حارس البوابة يمكنه التعرّف بهم. حضرت الشّرطة إلى المكان، وقلتُ للجنديّ الذي تحدّثت معه إنّ المُعتدين هربوا إلى داخل كفار تݒُوّاح وبعدها سمعته يقول لجنديّ آخر، زميله، إنّ أحد المعتدين شخص من القدس.
أخذت الشرطيّين الذين حضروا إلى موقع الحدث والتقطوا صورًا للمكان مع الأحجار والدم. وأذكر أنّ الشرطي استغرب من أنّ المستوطنين ساروا لمسافة 700 متر عن الشارع كي ينفّذوا الاعتداء.
قرار سلطات تطبيق القانون في نهاية التحقيق
وقد أثارت معاينة ملفّ التحقيق عدّة تساؤلات حول جودة التحقيق، ومنها التخوّف من أنّ الصور التي عُرضت في “صفّ مشبوهين” المُصوّر لم تكن صور المشتبهين ذوي الصّلة. وقدّم طاقم ييش دين القانونيّ استئنافًا للمطالبة بإعادة فتح التحقيق واستكماله.
يوم 19.9.2007، وبعد سنتين ونصف السنة على الاعتداء، رفضت نيابة الدولة الاستئناف وقالت إنّه ورغم الأدلة الظرفيّة حول ضلوع جزء من المشتبهين في الحادثة، إلّا أنّها لا تحوي أدلّة كافية وصلبة كما يتطلّب الإجراء الجنائيّ.