
أنا في الأصل من سكّان طوباس. تملك عائلتنا أراضيَ تابعة لمنطقة طوباس، إلّا أنّها موجودة في الغور، وخصوصًا بجانب مستوطنة مشخيوت. في العموم نحن نعيش في طوباس، ولكنّنا ننتقل في فصل الصيف للسكن في حمام المالح، والمُسمّى أيضًا بعين البيدا، من أجل رعي أبقارنا. تقع منطقة حمام المالح بجانب شارع 5799، شرقيّ مستوطنة مشخيوت.
غالبية السكّان الفلسطينيّين في المنطقة من رعاة المواشي، وهم يعانون التنكيلات بشكل عام ومن تنكيلات مُركّزي أمن المستوطنات خصوصًا، وخصوصًا في الآونة الأخيرة. وتشمل هذه المشاكل منع الوصول إلى مناطق الرعي الواقعة بجانب المستوطنات، وطرد رُعاة المواشي من مصادر المياه والعنف أحيانًا {قُدّمت في السابق، وبمساعدة ييش دين، شكاوى تتعلق بعنف المُركّزين الأمنيّين في المستوطنات}.
ترعى عائلتي قطيعنا في قسم كبير من أيّام السنة بجانب شارع 90 أيضًا، الذي يبعد نحو 10 كيلومترات عن مكان سكننا، وخصوصًا إلى جانب مستوطنة شدموت ميحولاه، ونحن نرعى هناك في غالبية الوقت من دون مشاكل. في بعض الأحيان نقترب من المستوطنة وعندها يأتي مُركّز الأمن، أو يبعث إلينا الجيش، ويطلب منّا الابتعاد 100 متر عن المستوطنة حيث يمكننا مواصلة الرعي.
في يوم الأربعاء، 3.2.2012، خرجتُ مع أخي “ع.ض.” وابن عمي “ف.ض.” قرابة السّاعة السّابعة صباحًا لرعي أبقارنا بجانب مستوطنة شدموت ميحولاه. ونحن نستخدم بشكل عام طريقًا ترابيّة تبعد نحو 4 كيلومترات شماليّ مستوطنة مشخيوت، وأربعة كيلومترات جنوبيّ مستوطنة روتِم. وصلنا إلى منطقة الرّعي قرابة السّاعة الثامنة. في البداية لم تقع أيّ مشاكل. وقرابة السّاعة 11 كُنّا في منطقة تقع على بُعد كيلومتر ونصف الكيلومتر جنوبيّ مستوطنة شدموت ميحولاه، على مسافة نصف كيلومتر شرقيّ شارع 90. تُسمّى المنطقة خلّة طويلة، وهي تتبع لطوباس، وجدّي يملك فيها أراضيَ نعمل على زراعتها.
فجأةً ظهرت سيّارة جيݒ مدنيّة لونها أبيض من صوب شارع 90، ودخلت إلى طريق ترابيّة تقود إلى المنطقة التي كنّا نرعى فيها. كان في السيّارة أربعة أشخاص. في البداية مرّت سيارة الجيݒ بجانب أخي الذي كان يبعد عنّي نحو 120 مترًا. توقّفت سيّارة الجيݒ بجانبه، ونزل منها السائق الذي رأيتُ أنّه “د”، مُركز أمن مستوطنة روتِم. تحدّث مع أخي عدة ثوانٍ، ثم دخل سيّارة الجيݒ واتّجه نحوي. أنا كنتُ وقتها على بعد نحو عشرة أمتار عن الطريق الترابيّة. توقّفت سيّارة الجيݒ وظلّ مُركّز الأمن “د” جالسًا فيها وأشار إليّ بالاقتراب. اقتربتُ منه وعند وصولي كان قد خرج من السيّارة. وقفنا الواحد بجانب الآخر. سألني بالعربيّة: “ابنُ مَن أنتَ؟” قلت له: أنا ابن ق”. فهو يعرف أبي من أحداث سابقة. كان “ف.ض.” ابن عمّي واقفًا على بُعد نحو 20 مترًا ورأى ما يحدث. سألني مُركّز الأمن عنه: “من هذا؟”، قلتُ له: “هذا ابن عمّي ف”. المُركّز الأمنيّ يعرف عمّي أيضًا. سألني: “أين {عمّك} ف؟”. أجبته: “في البيت”.
وعندها، ومن دون سبب نطحني المُركّز الأمنيّ “د” في الجهة اليمنى من رأسي، قريبًا من عيني. شعرت بالدوخة جراء الضربة وكدتُ أقع. وضعتُ يدي على مكان الضربة وعندها بدأ بلكمي بقبضتيْه. أذكر لكمات بجانب العين وعلى الصدر والوجه. وقد وقعت جراء الضربات وفقدتُ الوعي.
استيقظتُ في المستشفى. رأيت أبي بجانب سريري، وحكى لي أنّهم استدعوا سيّارة إسعاف فلسطينيّة وأحضروني إلى مستشفى في جنين. أجروا لي الصّور الطبيّة ولم يعثروا على كسور، بل على رضوض. مكثتُ في المستشفى تلك الليلة للمعاينة وأعطوني المُسكّنات. في صباح السّبت خرجتُ من المستشفى. ما زلتُ أعاني الدوخة وأعاني الآلام في اليد اليمنى التي وقعتُ عليها، وفي عيني اليمنى أيضًا.
عند عودتي من المستشفى إلى البيت، أخبرني أخي “ع.ض.” وابن عمّي “ف.ض.” بما حدث بعد وقوعي: ذُعر “د” المُركّز الأمنيّ وركب السيّارة بسرعة وانصرف نحو شارع 90. لحقا به بعد أن رأيا أنّني فقدت الوعي وناديا عليه: “تعالَ أنقذه!”، فأجابهم: “عودا إليه واسكبا الماء عليه”.
توجّها إلى الثكنة العسكريّة الواقعة على بُعد 800 متر عن الموقع طلبًا للنجدة. وهناك وجدنا جنديًّا يتحدّث العربيّة، وأخبراه بما حدث، فأرسل الجنود سيّارة جيݒ عسكريّة لتفحّص وضعي. ويبدو أنّ الجيش استدعى سيّارة إسعاف فلسطينيّة عبر مديريّة الارتباط الإسرائيليّة.
استدعى أخي والدي، وحضر مع الشرطة. أعطت الشرطة والدي استدعاءً للتحقيق، وقد استدعى الجنود أيضًا سيّارة إسعاف إسرائيليّة حضرت إلى الموقع، إلّا أنّ السيارة الفلسطينيّة هي التي نقلتني في نهاية المطاف.
يُعرف في المنطقة عن “د” المُركّز الأمنيّ أنّه يدرج على التنكيل بالرُعاة. قبل عدّة سنوات أطلق الرّصاص على بقرتيْن كانتا لعمّي “ف”، وأذكر أيضًا أنّه أطلق النار على أبقار الآخرين. قبل نحو نصف سنة قام بضرب عمّي “س” أيضًا.
في يوم الحادثة خرجتُ في السادسة صباحًا مع اثنين من أبناء عمومتي، “م.ض.” و”ع.ض.”، لرعي قطيع الماشية في المنطقة المُسمّاة خلّة طويلة، الواقعة على بُعد كيلومتريْن جنوبيّ مستوطنة شدموت. نحن نرعى قطيعنا بشكل عام في هذه الأراضي، التي يملكها أشخاص من طوباس وبعضها بملكيّة عائلتنا.
قرابة السّاعة 12- 12:30 ظهرًا، رأيتُ سيّارة جيݒ بيضاء تشبه سيّارات الإدارة المدنيّة، مغلقة من الخلف. أنا أعرف أنّ هذه السيّارة تعود إلى شخص اسمه “د”، وهو المُركّز الأمنيّ لمستوطنة روتِم. وأنا أعرفه من أحداث سابقة. أقبلت السيّارة عبر طريق ترابيّة من شارع 90 باتجاه الغرب، إلى حيث كنّا نرعى قطيعنا. وحين كانت سيّارة الجيݒ تدخل المنطقة كنّا ثلاثتنا في مواقع مختلفة، نبعد عن بعضنا البعض قرابة 100 متر.
في البداية مرّت سيّارة الجيݒ أمام ابن عمّي “ع.ض.” وواصلت سيرها صوب “م.ض.” ابن عمّي الثاني. بدأ سائق الجيݒ بالتزمير، ويبدو أنّه كان يريد من “م.ض.” أن يأتي إليه. رأيتُ أنّ “م.ض.” يسير باتجاه السيّارة، وعندما اقترب من الجيݒ خرج “د” المُركّز الأمنيّ من السيّارة باتجاه “م.ض.”. كان في السيّارة ثلاثة أشخاص آخرين لم أتعرّفه إليهم. بدأ المُركّز الأمنيّ بالتحدّث مع ابن عمّي “م.ض.” وفجأةً رأيته ينطح رأس “م.ض.” ويصفعه عدّة مرّات. إثر ذلك وقع “م.ض.” على الأرض.
دخل المُركّز الأمنيّ إلى السيّارة وتوجّه إليّ، وعندما اقترب صرخ عليّ بالاقتراب منه. أعتقد أنّه لم يرَ في البداية أنّ “م.ض.” وقع على الأرض، ولكن حين وصل إليّ صرختُ بأنّ “م.ض.” وقع. نظر نحو “م.ض.”، وعندما أدرك أنّه تورّط هرب بالسيّارة صوب شارع 90، بدلًا من التعامل معي.
ذهبتُ فورًا صوب الشارع لطلب المساعدة. كان المُركّز الأمنيّ ما يزال في شارع 90، وطلب منّي العودة إلى “م.ض.” وسكب الماء عليه. قلتُ له: “لن يكفي الماء، اتّصل بالشرطة”. توجّهت إلى الثكنة العسكريّة الموجودة في الجانب الشرقيّ لشارع 90. رآني المُركّز الأمنيّ أتحدّث مع الجنود فأجرى مكالمة بهاتفه. بعدها جاءت سيّارة وأخذت الأشخاص الثلاثة الذين كانوا معه واتجّهت جنوبًا، لا أعرف إلى أين، وظلّ هو في الموقع. لا أذكر نوع السيّارة التي حضرت.
بعد 30 دقيقة حضرت الشرطة. ظلّ المُركّز الأمنيّ “د” هناك إلى أن حضرت الشرطة. حضر الجنود إلى جانب “م.ض.” قبل وصول الشرطة، واعتقدوا أنّه سيستفيق وحده، إلّا أنّه ظلّ فاقدًا للوعي لفترة طويلة. استدعى الجنود سيّارة إسعاف إسرائيليّة، وعند وصولها انتظرت خارج المنطقة وقام الجنود بإخراج “م.ض.” بسيّارة المُركّز الأمنيّ لمستوطنة شدموت الذي حضر إلى المكان. التقت سيّارة المُركّز الأمنيّ مع سيّارة الإسعاف وبدأ الجنود بالاعتناء بـ “م.ض.”. بعدها استدعوْا سيّارة إسعاف فلسطينيّة أخذت “م.ض.” إلى مستشفًى في جنين.
لم يتحدّث الشرطيّون معي، إلّا أنّ الجنود قالوا إنّهم يريدون حلّ المشكلة بالوفاق، وطلبوا منّا تهدئة الخواطر. بعد أخذ “م.ض.” إلى المستشفى في جنين عُدنا إلى المرعى. وبودّي القول إنّ هذه لم تكن المرّة الأولى التي سبّب لنا فيها المُركّز الأمنيّ المشاكلَ، وقد قام في الماضي بضرب رُعاة آخرين.
في يوم الحادثة ظهرت سيّارة أعرف أنّها تعود إلى “د”، ضابط الأمن في مستوطنة روتِم. إلى جانب “د” كان ثلاثة أشخاص آخرون لا أعرفهم جلسوا في الخلف. توجّه “د” إليّ من صوب شارع 90. في البداية لم أعرف أنّه آتٍ لإثارة المشاكل، لأنّه كان يأتي في مناسبات عديدة في السابق من دون أن يفعل شيئًا.
توقّف المُركّز الأمنيّ بجانبي وألقيت عليه تحية “أهلًا د”. لم يردّ، ونزل من السيّارة وسألني ابن من أكون. قلتُ له إنّني ابن “ق”. سألني عمّا أفعله في الموقع، وأجبته بأنّني أرعى الماشية، ولماذا يسألني، هل أنا ممنوع من المكوث هنا؟ أشار صوب “م.ض.” وسألني عمّن يكون، فأخبرته بأنّه أخي، فاتجه بالسيّارة نحوه وبدأ بالتزمير له.
توقّف إلى جانب أخي ونزل من السيّارة ورأيتُه يتحدّث معه. فجأةً رأيته ينطحه في رأسه بقوّة ويصفعه. ركضت باتجاهه وصرختُ عليه بالعربيّة لماذا يضرب أخي. وقع “م.ض.” على الأرض ودخل المُركّز الأمنيّ إلى السيّارة وقادها مبتعدًا. حاولت إيقاظ “م.ض.” الذي كان فاقدًا للوعي، إلّا أنّه لم يستيقظ. صرختُ على المُركّز الأمنيّ كي يعود، لكنّه واصل السفر باتّجاه ابن عمي “ف.ض.”. صاح “ف.ض.” عليه بأنّ “م.ض.” أصيب، وعندما أدرك المُركّز الأمنيّ أنّ الوضع بات متأزمًا، قاد السيّارة مبتعدًا.
سألته عن سبب رحيله، فطلب منّي أن أسكب الماء على “م.ض.” كي يستيقظ. قلت له إنّنا نريد التوجّه وطلب المساعدة من الجنود، لكنّه قال إنّ لا حاجة لذلك، وإنّ “م.ض.” سيستيقظ وحده.
ترك المُركز الأمنيّ “د” الموقع متوجّهًا صوب شارع 90 ورَكَن سيّارته باتجاهنا كي يرى ما يحدث. في البداية توجّهنا إلى الشارع لطلب المساعدة، إلّا أنّنا لم ننجح بإيقاف سيّارة مرّت في الشارع. بعدها ركضنا صوب الثكنة العسكريّة الواقعة أمام مستوطنة شدموت. خرج من الثكنة شخص أرسل إلينا جنديًّا يتحدّث العربيّة. حدّثناه بما حصل وطلب منّا العودة إلى موقع الحدث وقال إنّه سيبعث جنودًا إلينا. في طريق العودة رأينا سيّارة جيݒ تويوتا تسير باتّجاه “م.ض.”. رفعوه إلى السيّارة من الخلف وسارت السيّارة باتجاه سيّارة إسعاف إسرائيليّة استدعاها الجنود. في هذه المرحلة وصل الشرطيّون. واستدعى الجنود سيّارة إسعاف فلسطينيّة أخذت “م.ض.” إلى مستشفًى في جنين.
قرار سلطات تطبيق القانون في نهاية التحقيق
إضافةً إلى الشكوى في الشرطة، توّجهت ييش دين إلى المستشار القضائيّ العسكريّ في الضفة الغربيّة بخصوص تصرّفات المُركّز الأمنيّ “د”. في يوم 14.1.2014 وصل ردّ من مكتب المستشار القضائيّ بأنّ مواد التحقيق لا تحوي أدلّة كافية من أجل دعم اتخاذ إجراءات إداريّة في مسألة المُركّز الأمنيّ، إلّا أنّ “قائد الكتيبة أوضح للمُركّز الأمنيّ الصلاحيّات الممنوحة له وبيَّن له المعايير السلوكيّة المتوقعة منه كمُركّز أمنيّ عيّنه الجيش الإسرائيليّ”.