
تقطن قبيلتي في أم الخير. نحن نعيش في خيام وأكواخ من الصفيح (بَرَكْسات). وتحاول الإدارة المدنيّة طيلة الوقت طردنا من المنطقة بادّعاء أنّنا نعيش على أراضي دولة، رغم أنّ السكان –وهم من مُهجّري 1948- اشتروا الأرض في نهاية سنوات الخميس ومطلع سنوات الستين من أبناء يطا. في مطلع سنوات الثمانين أقيمت بجوارنا مستوطنة كرمِل على جزء من أراضي أم الخير. في نهاية 2008 توسّعت المستوطنة نحو الجهة الجنوبيّة وفي عام 1009 شقّ مستوطنو كرمل، وبموافقة الإدارة المدنيّة، شارعًا من الجهة الجنوبيّة باتّجاه الشرق على أراضٍ بمُلكيّة فلسطينيّة. وتدّعي الإدارة المدنيّة أنّ هذه أراضي دولة. توجّه الفلسطينيّون إلى مُحامٍ خاصّ يعالج مسألة توسيع المستوطنة.
نحن نعاني بوتيرة شبه أسبوعيّة مشاكلَ وعنفًا جسديًّا من طرف المستوطنين، الذين يحاولون منعنا من الوصول إلى أراضينا المُستصلحة، ومناطق الرعي والمياه. ويقوم مستوطنون من الحيّ الجديد بالأساس بطرد الّرعاة من الحقول مراتٍ كثيرةً، ويطلقون النار في الهواء ويتساعدون بالجيش والشرطة للترويع والتخويف. ومنذ أعمال المستوطنين التي نفذوها أثناء شقّ الشارع والمقاومة الشعبيّة من طرف الفلسطينيّين انتقل المستوطنون إلى مرحلة جديدة يحاولون فيها تخريب المحاصيل والأراضي المستصلحة، وخصوصًا في الأراضي المُعلّمة كأراضي دولة. ثمة قطعة أرض من 67 دونمًا بحيازتي أنا وأفراد عائلتي، وهي مُسجّلة على اسم أبي وغير مُعرّفة كأراضي دولة. هذه القطعة موجودة على مسافة نحو 200 متر جنوب- شرق بيتي، على بُعد قرابة 250 مترًا شرقيّ المستوطنة. ونحن نستخدم قطعة الأرض هذه للرعي والزراعة الموسميّة، واليوم نزرع فيها البندورة والبامية والفلفل والباذنجان والخضروات الأخرى.
في يوم 28.7.2010 السّاعة 15:30 كنتُ في بيتي. فجأةً سمعتُ من سكّان في القرية أنّ جرّافة بدأت العمل على شقّ شارع بجوار أرضي، خارج المنطقة التي أزرع فيها مزروعاتي. نحن ندّعي أنّ الأرض لنا لكنّ الإدارة المدنيّة تُصرّ على أنّها أراضي دولة. وعندما رأى سكّان القرية أنّ الجرّافة بدأت بالعمل ثارت الجلبة، وخرج غالبيّة أبناء القرية باتّجاه المكان الذي كانت الجرافة تعمل فيه من أجل طردها من الموقع. تمثّل نهج المستوطنين بإرسال جرّافة أو تراكتور بدايةًـ تابعتين لفلسطينيّيْن من المنطقة في الغالب، ومن دون حضور المستوطنين أنفسهم. وعندما اقترب أهل القرية من المنطقة ذُعر سائق الجرّافة وهرب معها. ويعي أهل القرية أنّ المستوطنين ممنوعون من شقّ شارع في الموقع، حتى في أراضي الدولة. وقد علمنا بأمر المنع هذا في حادثة سابقة وقعت قبل شهور عدّة، حاول المستوطنون خلالها بدء العمل ونحن عارضنا، ثم قام ضباط الإدارة المدنيّة الذين حضروا إلى المكان بوقف العمل وقالوا لنا وللمستوطنين إنّ تنفيذ الأعمال في المكان ممنوع.
في اليوم نفسه، 28.7.2010، قبل أن يتجمّع أهل القرية حول الجرّافة، كانت قد نجحت في شقّ طريق طولها 50 مترًا. قمنا بإغلاق الطريق التي شُقّت بالأحجار الكبيرة. في مرحلة معيّنة جاء إلى الموقع سكرتير مستوطنة كرمل، مستوطن اسمه “ق”، الذي صوّرنا ونحن نسدّ الشارع. سألنا عمّا نفعله وقلنا إنّنا نعيد الوضع إلى سابق عهده لأنّ المستوطنين ممنوعون من شقّ الشارع. ويبدو أنّ “ق” استدعى الجيش إذ وصلت إلى المكان أربعة سيّارات جيݒ عسكريّة ومُركز الأمن في المستوطنة، “ش”.
في البداية دنا منّا ضابط يتحدّث العربيّة وسألنا عمّا نفعله. شرحنا له إنّنا موجودون هناك لأنّ المستوطنين يريدون شقّ شارع في موقع محظور، وأنّنا لم نرَ أشخاصًا ولم نكن على أيّ اتصال مع أحد من المستوطنين (كان الضابط يعتقد أنّنا ألقينا الحجارة)، وأنّ الجرّافة التي كانت تعمل في الموقع قد غادرت. فهم الضابط الأمر وقال إنّه لا توجد مشكلة وغادر الموقع.
بعد نحو نصف ساعة، قرابة السّاعة 17:00-16:30 حضر مُركّز الأمن “ش” ثانية، ومعه جنديّان، وتوجّه إليّ وإلى أخي “س” وأقرباء آخرين كانوا في الموقع. كان مُركّز الأمن يريد من أخي “س” أن يشرح للجنود ما حدث. أصرّ “س” أن يتحدّث بالعربيّة، وطلب منه مُركز الأمن أن يتحدّث بالعبريّة. دار نقاش حول ذلك من أجل إثارة انطباع الجندييْن على ما يبدو. في مرحلة معيّنة غادر مُركّز الأمن المكان، وطلب الجنديّان من الرجال والنساء الثلاثة الذين كانوا هناك أن يجلسوا، وطلبوا بطاقات هوية الرجال. فحص الجنديّان البطاقات من خلال اللاسلكيّ. قلنا للجندييْن طيلة الوقت إنّه لا يتحدّث العبريّة، وطلبنا إحضار شخص يتقن العربية. في مرحلة معيّنة تحدّث معنا هاتفيًّا جنديّ يتقن العربيّة، وقال لنا إنّ هذه منطقة عسكريّة مغلقة ونحن ممنوعون من المكوث في الموقع رغم أنّنا كنّا قد صرنا بين بيوت القرية لا في قطعة الأرض. وقد وعدنا أن يأتي في الغداة إلى الموقع لكنّه لم يأتِ. وعبّر الجنديّان عن أملهما بألّا نعود إلى الموقع الذي أُعلِن منطقة عسكريّة مغلقة، وأعادا لنا بطاقات الهويّة وغادرا. عُدنا إلى بيوتنا وفي المساء نمتُ خارج البيت.
نحو السّاعة 23:00 استيقظت على نباح الكلب. كان البيت معتمًا وأدركتُ أنّ أمرًا يحصل. دخلت البيتَ وانتعلت حذائي وأضأت النور كي يروْا أنّنا استيقظنا. خرجتُ من البيت لأنّني عرفت أنّ أمرًا ما يحدث في أرضي. ركضتُ باتّجاه قطعة الأرض وما أن بدأت بالركض حتى رأيت ثلاثة أشخاص يخرجون من قطعة الأرض إلى مستوطنة كرمل. لم أكن عازمًا على الركض خلفهم لأنّني خفت من أن يكون بحيازتهم أسلحة، لكنّني رغبتُ برؤية وجهتهم. رأيتهم يتوجّهون إلى الحيّ الجديد الذي شُيّد في الجهة الجنوبيّة للمستوطنة، واختفوا بين البيوت. لم أتبيّن البيت الذي دخلوه. وهذا يعزّز لديّ الشعور بأنّ الأشخاص الثلاثة كانوا مستوطنين من مستوطنة كرمل. اشتبهتُ في أنّهم جاءوا لإتلاف أرضي المستصلحة ولكنّني كنت أنوي العودة في الصباح لرؤية ما حدث بسبب العتمة. عدتُ للنوم ونحو الساعة 5:00 صباحًا في يوم 29.7.2010 توجّهتُ إلى قطعة الأرض.
رأيتُ أنّ المستوطنين أتلفوا قرابة نصف المزروعات، وأتلفوا نظام الريّ واقتلعوا نحو 300 غرسة عمرها شهران وكسروا شجرتيّ لوز. وقرابة السّاعة السادسة اتّصلتُ بالشرطة ووعدوا بإرسال دوريّة. قرابة السّادسة والنصف وصلت دوريّة وفيها شرطيّان وشرطيّة. دخل الشرطيّون معي إلى القرية وظلّت الشرطيّة في السيّارة. بدأ الشرطيّون بالنزول معي إلى المنطقة المزروعة التي أُتلفت، لكن بعد نزولهما جزءًا من الطريق قالا إنّهما شاهدا ما حصل ولم يلتقطا الصور ولم يرغبا بالاستمرار قدمًا. طلب منّي الشرطيّان تقديم شكوى لدى شرطة كريات أربع. في ساعات بعد الظهر من اليوم نفسه دبّرتُ الوقت اللازم وتوجّهتُ إلى شرطة كريات أربع. انتظرت نحو نصف ساعة خارج المحطّة. أدخلني شرطيّ وانتظرتُ ساعتيْن ريثما يفرغ وقت المحقق. وقال الشرطيّون في المحطة إنّه كان عليّ انتظار محقق يتقن العربيّة. في الخامسة والنصف وصل محقق يتحدّث العربيّة وأدليتُ بإفادتي وقدّمت شكوًى.