
أنا من سكّان قَرْيُوت. أعمل مزارعًا وأملك أراضيَ زراعيّة على مسافة نحو كيلومتريْن غربيّ القرية. على مسافة نحو نصف كيلومتر من أرضي شُيّدت مستوطنة عالي. في الآونة الأخيرة سيطر المستوطنين على كلّ سفوح الجبال في المنطقة ومستوطنة عالي آخذة في التوسّع والانتشار وهي تقترب من أرضي. لديّ قطعة أرض من أربعة دونمات مزروعة بأشجار زيتون عتيقة عمرها مئات السنوات.
لا يُسمح لي بالدخول إلى أرضي إلّا بعد التنسيق مع الجيش. في العموم لا يمنحونني تصريحًا بالدخول إلى أرضي إلّا مرتيْن في السنة، المرة الأولى أثناء القطف والثانية أثناء الحصاد- ليوم ونصف اليوم فقط. وعمومًا يفشل التنسيق لأنّ المستوطنين يقدمون إلى الموقع، فيحضر الجيش ويطردنا، وهذا ما يحدث منذ عام 2001.
في كلّ سنة بموسم الحصاد وموسم القطف نحن نعاني من المستوطنين. ولا يكفي أنّهم يمنعوننا من الدخول طيلة العام لاستصلاح الأراضي كما يجب، بل يأتي المستوطنون في اليوم والنصف الذي نحصل فيهما على تصريح، ويُخرّبون ويعتدون علينا. الجيش يدعم المستوطنين دائمًا، وبدلًا من طرد المقتحمين فإنّهم يطردوننا نحن. وحتى اليوم قُطع لديّ ولدى الآخرين عدد كبير من أشجار الزيتون. وتحصل في موسم القطف الكثير من سرقات الزيتون، والزيتون هو أهمّ مصدر دخل لنا. وإلى أن نحصل على تصريح بالتوجّه إلى القطف، فإنّنا نصل إلى الموقع ونكتشف أنّ أشجار الزيتون سبق وقُطفت وسُرقت.
في يوم الثلاثاء 3.5.2011، وبعد أن نجح مجلس القرية في الحصول على تصريح من الإدارة المدنيّة بالخروج إلى حرث الأراضي، توجّهتُ مع نحو 20 مزارعًا آخر إلى أراضينا. لديّ ترتكتور (جرّار) وأنا أحرث أراضي الآخرين من القرية أيضًا. خرجنا في السّاعة 7:30 ووصلنا في 8:15. في الثامنة والنصف بدأنا العمل في أرض ابن عمّي. وعمل المزارعون الآخرون في أراضٍ أكثر قُربًا من قريتنا، وأنا حرثت الأرض القريبة من مستوطنة عالي.
قرابة السّاعة التاسعة وصل صوبنا مستوطن واحد سيرًا على الأقدام. نحن نعرفه واسمه “ك”. رجل طويل وممتلئ وأسمر البشرة وله ذقن ولا يعتمر الكيݒا (القلنسوة). أنا أعرف أنّه سبق وسُجن. كان يحمل سكينًا طولها نحو 35 سم. كانت السكين موضوعة على جانب جسده لكنّني رأيتها.
تحدّث معي بالعبريّة وأنا لا أتقنها إلّا قليلًا. قال لي: “خلال نصف ساعة يجب عليك الانصراف من هنا”. قلتُ له: “هذه أرضي وأنت انصرف من هنا”. عندها أشار بيده إلى الرقبة بأنه سيذبحني، وكرّرها أكثر من مرّة.
بشكل عامّ وعند وجود تنسيق مع الجيش من المفترض وجود جنود في الموقع. وعندما حضرتُ لم يكن الجيش حاضرًا، ولكن خلال الحديث الذي دار بيني وبين المستوطنة وصلت سيّارة جيݒ عسكريّة فيها جنديّ وضابط من مديريّة الارتباط الإسرائيليّة. تحدّث الضابط مع المستوطن “ك” وأبعده. واصلتُ العمل على الجرّار وأخذا المستوطن وانصرفوا.
بعد نصف ساعة عاد المستوطن “ك”. وقف قبالة الجرّار وطلب منّي الانصراف وأنا بدأت بالصراخ صوب الجنود الذين كانوا على مسافة نحو 150 مترًا. لم يكن هؤلاء الجنود من مديريّة الارتباط بل من حرس الحدود. عندها جاء ثلاثة من أفراد حرس الحدود وأخذوا المستوطن جانبًا ورأيتُ واحدًا من حرس الحدود يهمس في أذنه شيئًا ما. ساورني شعور سيّئ عند رؤيتي لذلك.
في تلك الفترة وصل جرّار ثانٍ لمساعدتي. صرخت على المستوطن بأن ينصرف من هنا لأنّنا نريد العمل، وعندها هدّدنا بحرق الجرّار. خاف السائق الثاني وعاد إلى القرية، لكنّني بقيتُ هناك.
ابتعد المستوطن وأفراد حرس الحدود من هناك وأنا بقيتُ وحدي. انتهيتُ من حرث هذه القطعة من الأرض وتوجّهتُ إلى أرضي الأقرب من المستوطنة. رأيتُ أفراد حرس الحدود وطلبتُ منهم أن يرافقوني لأنّني خفتُ، لكنهم قالوا إنّ لا حاجة لذلك لأنّه لن يأتي.
سرتُ بالجرار وكانت هناك امرأة مُسنّة أعرفها تسير أيضًا في الاتجاه نفسه. بدأت بحرث الأرض وفجأة سمعتُ المرأة تصرخ. بسبب ضجّة الجرّار لم أسمع جيدًا ما تقوله بالضبط. فيما بعد قالت لي إنّها رأت المستوطن “ك” يقترب والسكين في يده.
جلستُ على الجرار وكنتُ وقتها أكثر ارتفاعًا منه، وحاول أن يغرز السكّين في ظهري لكنه لم ينجح إلّا بتمزيق المعطف الذي ارتديته، تحت الكتف تقريبًا. ألقيتُ نظرة ورأيتُ أنّه يُمسك السكيّن ويطعن إطار الجرّار، ذلك الذي في الخلف على جهة اليمين، الإطار الكبير. عندها استدار واقترب منّي وأنا أبعدته برجلي. لم أفكّر إلّا في الدفاع عن نفسي وحاولت إدارة الجرار. بعد أن أبعدته برجلي طعن الإطار الصغير الأماميّ وبعده فورًا الإطار الصغير على جهة اليسار، ودار حول الجرار راكضًا وطعن الإطار الكبير على الجهة اليسرى. لم تكن لديّ أي إمكانيّة لحماية نفسي.
صرخت عاليًا كي يأتي أفراد حرس الحدود. نزلتُ عن الجرّار لأنّه لم يعد بالإمكان تحريكه، وحملتُ الحجارة كي أخيف المستوطن. لم أُلقِ الحجارة لأنّني خفت من أن يقدّم شكوى ضدّي. رأى المستوطن أنّ باقي المزارعين قادمون وعندها فرّ هاربًا.
لم أعد قادرًا على مواصلة العمل لأنه ألحق الأضرار بالجرّار وعندها جاء الجرّار الثاني وسحبه. لديّ صور للجرّار المتضرّر. كنت بحاجة لتصليح الجرّار ودفعتُ 8,000 ش.ج. ولديّ أيضًا صورة المستوطن، الذي قُدّمت ضدّه الكثير من الشكاوى لدى الشرطة.
وعندها حضر الجيش أخيرًا لأنّنا اتصلنا وطلبنا من مختار القرية الاتصال بمديريّة الارتباط واستدعاء الجيش. بعد ساعة ونصف السّاعة حضرت الشرطة أيضًا وسجّلت إفادتي. قالوا لي إنّ لا حاجة للحضور إلى الشرطة وتقديم شكوى، ولكنّهم لم يُعطونا أيّ ورقة.
قرار سلطات تطبيق القانون في نهاية التحقيق
في كانون الأول 2017، وفي إطار صفقة ادعاء مع المتهم، شُطبت لائحة الاتّهام المتعلّقة بهذه الجنح واعترف “ك.هـ.” وأدين بالجنح المتعلّقة بمخالفة أمر قانونيّ ومضايقة شرطيّ أثناء أدائه لواجبه وحيازة سلاح، وهي الجند المنسوبة إليه في لائحتي اتهام أخرييْن.
حكمت محكمة الصلح في القدس على “ك.هـ.” بالسجن مع وقف التنفيذ وبغرامة قيمتها 1,000 ش.ج.