
أنا من سكّان قرية بِيتِللُّو قضاء رام الله. متزوّج وأب لأربعة أبناء وابنتيْن، وكلّهم متزوّجون ولهم عائلات. أنا أعيش مع زوجتي في منزل بوسط القرية. متقاعد وكنتُ مُدرّسَ علوم. واليوم أعمل مزارعًا في أرضي.
لديّ أرض شرقيّ القرية، على بعد نحو كيلومتر من وسط القرية، وتبلغ مساحتها خمسة دونمات. تحاذي قطعةُ الأرض مستوطنة نحليئيل، على بعد نحو 50 مترًا من بوابة المستوطنة. لا أستطيع الوصول بشكل حرّ إلى أرضي منذ الانتفاضة الثانية. ويسمح لي الجيش بالوصول إليها من خلال التنسيق ولمرّتين في السنة فقط، ليومين أو ثلاثة. وفي سنوات مضت لم يسمحوا لي بالوصول إلى الأرض إلّا أثناء القطف، وكانت الأرض مهملة في بقيّة الأيام. لديّ قطعة أرض أخرى ومساحتها هي الأخرى خمسة دونمات. أنا أزرع في هذه القطعة المزروعات الموسميّة، وهي تحاذي مستوطنة نحليئيل أيضًا.
منظومة التنسيق إشكاليّة جدًا. لا يمنحوننا الأيام المناسبة. أحيانًا يُعطوننا أيامًا قبل الحراثة وأحيانًا بع مضيّ وقت القطف. وبسبب منع وصولنا إلى الأرض لم نزرع أشجارًا أخرى. يجب عليّ الذهاب إلى الأرض لاستصلاحها في سائر أيّام السنة، ولكنني لا أستطيع ذلك.
في مطلع الانتفاضة الثانية، عام 2001، وقعت أعمال عنف كثيرة من طرف المستوطنين. وكانت موجة عنف كبيرة بين السنوات 2001-2004، إذ اعتدى المستوطنون على المزارعين والمواشي وقطعوا الأشجار وخرّبوا المحاصيل الزراعيّة. مستوطنو نحليئيل عنيفون جدًّا. الكثير من أصحاب الأراضي يخافون الوصول إلى أراضيهم. والجيش والشرطة يدافعون عن المستوطنين لا عنّا.
وأسوةً بسائر الناس أنا أخاف أيضًا الوصول إلى أرضي. حاولتُ التوجّه إلى مديريّة الارتباط الإسرائيليّة لطلب الحماية ولكنهم لم يهتموّا بي. مديريّة الارتباط الفلسطينيّة تنقل الشكاوى إلى المديريّة الإسرائيليّة ولكن ما من تطرّق للتوجّهات. منذ سنتين، وبعد أن اعتدى المستوطنون على مزارع وكادوا أن يقتلوه، توقفت عن الذهاب إلى قطعتي الأرض المحاذيتين لنحليئيل. المستوطنون والسلطات الإسرائيليّة يعملون معًا لطردنا من أراضينا.
ولديّ أيضًا أراضٍ بعيدة عن المستوطنة تقع غربيّ القرية وأنا أعمل فيها ومنها أكسب رزقي.
في يوم 16.7.2018، ولأوّل مرة منذ سنتيْن، توجّهتُ مع أخي وجاري الذي يملك قطعة أرض محاذية لأرضي، إلى أراضينا القريبة من نحليئيل. قررنا الذهاب لأنّنا بدأنا بعمليّة تسجيل الأراضي في الطابو تحت رعاية السلطة الفلسطينيّة، أسوة بكلّ قرى الضفّة الغربيّة. أردنا إجراء قياسات وجلب مسّاح مُرخّص وترتيب وضعية الأرض.
خرجنا الساعة 12:30 ووصلنا إلى الأراضي قرابة السّاعة 14:00. ذُهلتُ حين رأيتُ أنّ المستوطنين وضعوا في أرضي براميلَ وزرعوا في داخلها نحو 40 شجرة زيتون.
توجّه جاري إلى أرضه التي تبعد عنّا نحو 100 متر، ولكننا لم نستطع رؤيتها من حيث وقفنا.
فجأةً رأيتُ مستوطنًا يأتي بسيّارة خاصّة، لا أعرف نوعها. كان عمره قرابة الأربعين عامًا ومعه ولد عمره 12 تقريبًا، يبدو أنّه ابنه. اقترب منّا وقال بعربيّة ركيكة “أعطِني بطاقة الهوية”، فأجبته بالعربيّة: “أنا لست شرطيًا ولا جنديًّا، لماذا أعطيك بطاقة هويّتي؟”. أعتقد أنّه أدرك ما قلته. سألني بعربيّة ركيكة ثانية: “ماذا تفعل هنا؟”، فأجبته: “أنا في أرضي، وما الذي تفعله أنتَ هنا؟”. سألني بالعربيّة: “هل لديك كوشان؟ أثبت!”.
وبما أنّنا جئنا لتسوية مسألة تسجيل قطع الأراضي فقد كنتُ أحمل صورًا لمستندات تسجيل الطابو ولاتفاقية البيع ووصولات دفع الضرائب التي دفعتها للأردنيّين وقتها. ولذلك قلتُ بعفويّة: “نعم. معي مستندات ملكيّة، ها هي”.
رفعتُ يدي بالأوراق. خطف المستوطن الأوراق من يدي وألقاها إلى الخلف لابنه الذي هرب بها بسرعة كبيرة إلى داخل المستوطنة. صوّر أخي كلّ شيء. وأنا بدأتُ بالصراخ كي يسمعنا جاري ويأتي، وقد أتى بالفعل. سمعني المستوطن وأنا أصرخ واقترب منّي وأمسك بيدي اليمنى ولفّها بقوّة كبيرة حتى شعرتُ بأنّها ستنكسر. بدأت بالصراخ أعلى وأعلى بسبب الألم. بدأ أخي يصرخ أيضًا لكنّه لم يقترب لأنّ المستوطن كان مُسلّحًا.
أفلت المستوطن يدي وبدأ بتصويري أنا وأخي بهاتفه المحمول بالڤيديو، وكان أثناء ذلك يتحدّث إلى الكاميرا بالعبريّة. لم أفهم ما قاله. أردتُ الاتصال بالشرطة الإسرائيليّة لكن لسوء حظّي كانت بطارية الهاتف قد فرغت. بدأت بالصراخ بأنّني أريد الشرطة أو الجيش وطلبتُ من المستوطن أن يُحضر الشرطة أو الجيش.
بعد عدّة دقائق حضرت سيّارة تندر عسكريّة وفيها أربعة جنود وضابط. عندما رأى المستوطن الجيش سبقنا وتوجّه إلى الجنود وتحدّث معهم، بالعبريّة طبعًا. بعدها اقترب الجنود منّي بعنف وكأنّهم آتون لاعتقال مشتبه به وقالوا: “ارفع يديك”، “أخرجْ كل ما في جيوبك”. فحصوني أنا وأخي وكأنّنا مشتبهان. تحدّثا معنا بالعبريّة. طلبتُ أن يتحدّثوا بالعربيّة أو الإنجليزيّة لأنّني لا أتقن العبريّة. جاري الذي يعرف العبريّة قليلًا حكى للجنود ما حصل.
كان الجنود يتحدّثون مع المستوطن بالعبريّة طيلة الوقت. قلتُ للجنود إنّني أريد المستندات التي سرقها منّي المستوطن وابنه. أنكر المستوطن ذلك وقال إنّه لم يأخذها.
وفيما كنّا نتحدّث مع الجيش حضر مستوطن آخر مُسلّح، ويبدو أنّه من الصفّ الأمنيّ في مستوطنة نحليئيل. في تلك اللحظة اتّصلتُ مستخدمًا هاتف أخي برئيس المجلس في القرية وقد حضر بعد دقائق معدودة. حكيتُ له ما حصل وتكلّم مع الجنود وقال لهم إنّنا نريد استرداد الأوراق وعليهم الاعتناء بالمستوطن. لم يتعامل الجنود مع ذلك بجدّيّة. كان الضابط الذي تحدّث معنا طيلة الوقت يقول إنّه لا يمكنه فعل شيء مع المستوطن.
طلبتُ من الضابط أن يستدعي الشرطة، فرفض قائلًا: “إذا كنت تريد الشرطة، فأحضرها أنتَ!”، وأضاف: “يجب أن تُخلوا المنطقة خلال 3-4 دقائق”.
اتّصل رئيس المجلس فورًا بمديريّة الارتباط الفلسطينيّة وأبلغهم بكلّ ما حصل. فقالوا إنّهم سينقلون الشكوى إلى مديريّة الارتباط الإسرائيليّة، وعلينا في هذه الأثناء عدم ترك المنطقة إلى أن يتصلوا بنا ثانيةً. لكنّ الجنود قالوا ثانية: “أخْلوا الموقع فورًا وإلّا فسنطردكم بالقوّة”. خفنا وتركنا الموقع، فيما ظلّ المستوطن هناك.
قبل المساء انتفخت يدي جدًّا وآلمتْني كلّ الليل. في الصباح توجّهتُ إلى مستشفًى في رام الله، وصوّروها. لم يقع فيها كُسر لكنّ وترًا قُطِع. ارتحتُ في البيت ثلاثة أيّام. ولليوم ما زلتُ أشعر بآلام في يدي. لا يمكنني طيّ أصابعي وأعاني الانتفاخ.
في يوم 19.7.2018 توجّهتُ إلى شرطة شاعر بنيامين وقدّمت شكوى، وأدليت بإفادتي حول كلّ شيء. بخصوص تجاوز الحدود وزرع المستوطنين للأشجار وسرقة المستندات وإيذاء يدي. أضفتُ أيضًا صورَ المستندات وصور المستوطن المعتدي. وسجّلوا في الشكوى سرقة واعتداء ولكنّهم لم يسجّلوا تجاوز الحدود.