
أنا أعيش في واحد من البيوت الأخيرة عند طرف القرية الشماليّ، ولي ستّة أولاد وأعمل في شركة الاتصالات الفلسطينيّة. منزلي مُسيّج، وله بوابة حديديّة وسياج شائك محيط به. لديّ سيّارة اشتريتها قبل شهر وهي ݒيجو سنة 2007 تركن في ساحة البيت.
اليوم، 27.1.2011، في الثالثة والنصف قبل الفجر اتّصل بي جاري “ح.ر.”. استيقظتُ على اتصاله. في غرفة نومي شبّاك يُطلّ على الساحة. قمتُ من السرير بسبب الاتصال ورأيت من الشباك ومضات ضوء تأتي من السّاحة. فتحتُ الشباك ورأيت سيّارتي تحترق. أحضرت طفّاية موجودة في بيت الدرج وركضتُ إلى السيّارة لإطفائها. كنتُ أفكّر طيلة الوقت: ما هذا؟ لم أقترف شرًا بحقّ أيّ أحد.
فتحت البوابة لـ “ح.ر.” وأطفأنا النار سوية. بعد أن انتهينا من إطفائها أحضرت لامبة من البيت ودُرنا في الموقع سويّة وعندها رأيت الجهة المقصوصة في السياج الذي يحيط ببيتي والساحة. قمتُ بجولة حول البيت من الخارج ورأيت كتابات بالعبريّة على الجدار الحجريّ. لا أتقن العبريّة جيدًا، ولذلك لم أتبيّن تمامًا ما كُتب. ولكن عندها أدركت أنّ الفاعل ليس فلسطينيًّا بل من المستوطنين.
اتّصلتُ بصهري الذي يعمل في الشرطة الفلسطينيّة وحدّثته بما جرى بسرعة. قال لي: سأكون عندك خلال خمس دقائق. أتى إليّ وتحدّث في الأثناء مع مديريّة الارتباط الفلسطينيّة والشرطة الفلسطينيّة. عندها بدأت بتلقّي اتصالات من الشرطة والجيش الإسرائيليّين. طلب الجيش منّي أن آتي لإحضارهم، وأن ألتقي بهم عند مدخل القرية لأنّهم لا يعرفون كيفية الوصول إليّ. أخذت سيّارة والدي واتجّهتُ إلى مدخل القرية وأحضرتهم إليّ، ودخلوا لفحص ما حدث.
في البداية حضرت 3-4 سيّارات جيݒ، ومن ثمّ سيّارتان أخريان. كان فيها جنود وأفراد شاباك وشرطة (التحليل الجنائيّ)، ورفعوا البصمات بما فيها بصماتي وصوّروا كلّ شيء: السيّارة والجدار بالكتابات التي عليه. قام ضابط بكتابة التقرير وسجّل إفادتي ووقعتُ عليها.
بعدها خرجتُ ورأيتُ الجنود يدهنون الكتابات التي على الحائط. قلت لهم: ممنوع محو الكتابات، وعندها قال لي ضابط عسكريّ: لا تقلق، لقد التقطنا الصور وهي معنا. صوّرتهم وهم يدهنون الكتابات. سألتُ أحد الضبّاط الذي كان يتحدّث العربيّة قليلًا، عمّا كُتب كي أعرف. قال إنّ هذه مجموعة تتبع لمستوطنة بجانب قُصرة وهم يقومون بأفعال مشابهة في كلّ مكان. وقال إنّ “عالي عين” هو بؤرة استيطانيّة بجانب قصرة وجاء في الكتابات على الجدار: “عالي عين، لن ننسى”.
قرابة السّاعة الرابعة- الخامسة سألتُ ضابطًا آخر كان موجودًا هناك عمّا عليّ فعله، وطلب مني التوجّه صباحًا إلى مديريّة الارتباط الإسرائيليّة وتقديم شكوى، وإنّه سيرسل إليهم الصور وكلّ شيء. قرابة السّاعة التاسعة حضروا من الشرطة الفلسطينيّة والتقطوا الصّور وسجّلوا إفادة والدتي وزوجتي. ونحو الساعة الحادية عشرة توجّهتُ إلى مديريّة الارتباط الإسرائيليّة، وانتظرتُ نصف ساعة، وعندها خرج ضابط من الداخل واستدعاني وسألني عن المسألة. قلت له إنّني من عينابوس، وكان على علم بما حدث فقال: السيارة موديل 2007… اتّصل بضابط آخر وقال له: ليذهب إلى الشرطة الفلسطينيّة. قلت له: الشرطة الفلسطينيّة ترسلني إلى هنا وبالعكس، إلى أين سأذهب؟ أخذ بطاقة هويّتي ودخل، ثم خرج بعد عشر دقائق وقال: اذهب إلى الشرطة الفلسطينيّة وبعد أن تتمّ المعاملات هناك عُد إلى هنا لتقديم شكوى.
يقع بيتي وبيت بسّام رشدان عند الطرف الشماليّ للقرية، عند بداية سفح الجبل. هذه آخر بيوت القرية، ونحن خمسة بيوت في الموقع، الذي يقع جنوبيّ إحدى البؤر الاستيطانيّة حول مستوطنة يتسهار، على مسافة نحو أربعمئة متر تحتها بخط هوائيّ.
أنا أستيقظ كلّ يوم في الثالثة صباحًا للتجهّز للعمل، وأنا أعمل قصّارًا في إسرائيل ومعي تصريح عمل. اليوم، وكسائر الأيّام، استيقظتُ مبكرًا وسمعتُ صوت نباح كلاب الجيران وأدركتُ أنّ شيئًا ما يحدث. فتحتُ الشباك المُطلّ على الجيران ولم أرَ شيئًا. واصلت الكلاب النباح. صعدتُ إلى سطح البيت ونظرت نحو الغرب ورأيتُ سيّارة جاري بسّام تحترق في ساحة بيته.
اتّصلتُ به ولم يردّ، كان نائمًا على ما يبدو. نزلتُ عن السّطح باتّجاه السيارة من أجل إطفائها. كانت بوابة السّاحة مغلقة وصرختُ كي يفتحها، فالسيّارة تحترق. فتح بسّام الشبّاك ورأى اللهب. فتح باب البيت وخرج إلى السّاحة، وفتح البوابة لي وبدأنا بإطفاء السيّارة بمساعدة طفّاية. يبدو أنّهم سكبوا موادّ حارقة حول السيّارة وعلى الدواليب والمُحرّك. بدأنا بإطفاء النّار حول السيّارة إلّا أنّ اللهب الأقوى كان في غطاء المحرّك. في النهاية نجحنا في إخماد النار إلّا أنّ المُحرّك والدواليب وبدن السيّارة نفسه قد احترقت. ضرر جدّيّ. ومعها الزجاج الأماميّ والخلفيّ وغطاء المُحرّك.
كنّا بحاجة إلى 10-15 دقيقة لإطفاء النار. بعدها قمنا بجولة ولم نرَ أحدًا، لكنّنا رأينا السياج الشائك مقصوصًا وعلى الجدار الخارجيّ كتابات بالعبريّة لم نفهمها (أنا أتحدّث العبريّة، لكنّني لا أتقن قراءتها). بقيت مع بسّام وبدأ بالاتصال بالنّاس ومديريّة الارتباط الفلسطينيّة وبأشخاص من القرية. بقيتُ معه ولم أذهب للعمل.
قرابة الخامسة والنّصف وصلت أربع سيّارات جيݒ عسكريّة –إحداها لحرس الحدود وثلاث عسكريّة- وكان فيها 12-13 جنديًّا في المُجمل. التقطوا الصور لكلّ شيء واتّصلوا بالشرطة الإسرائيليّة. في السّادسة والنصف توجّهت إحدى سيّارات الجيݒ نحو مدخل القرية لمرافقة سيّارة جيݒ شرطيّة حضرت إلى الموقع. وقدمت سيّارة جيݒ شرطيّة، وكان أحد القادمين فيها يرتدي الثياب المدنيّة وعرّف على نفسه بأنّه ضابط الشاباك في المنطقة، ومعه 4-5 أشخاص من التحليل الجنائيّ وفحصوا السيّارة والتقطوا صورًا لكلّ شيء. وطلب أحد ضبّاط الجيش من الجنود محو الكتابات عن الجدار. وأحضر الجنود معهم الدهان وبدأوا بدهن الكتابات.