
استأجرنا أنا وزوجي “س.ن.” هذا المنزل في يوم زواجنا، قبل ثلاث سنوات بالضبط. كنّا نخطط طوال تلك الفترة لبناء منزل خاصّ بنا، وبدأنا بالتوفير. بدأنا قبل شهر ببناء منزل في مركز القرية. لديّ طفل يبلغ من العمر سنة ونصف السّنة، وأنا الآن في أواخر حملي، أوشكت على الولادة، درست علم الحاسوب في جامعة النجاح في نابلس، وأدرّس في مدرسة في بورين.
المنزل الذي استأجرناه هو المنزل الأخير في القرية، ويقع أعلى التلّة، في الناحية الشرقيّة. أعيش في حالة من الخوف الدائم منذ زواجي، لأنّ جميع الأحداث تقع خلف منزلي. ينزل مستوطنو هار براخا باتجاه المنزل، يلقون الحجارة ويطلقون النار بوتير عالية. يحدث ذلك أحيانًا مرّة أو مرّتيْن في الليل. لا يوجد أمان، أشعر بالخوف، ويستحيل أن أبقى وَحدي في المنزل، فضلًا عن أننّي شارفتُ على الولادة. عندما لا يبيتُ زوجي في المنزل، أقفل المنزل وأذهب إلى منزل والديّ الموجود في مركز القرية، على بعد 300 متر. عندما لا يكون زوجي موجودًا، لا أوافق حتى على أن تبقى إحدى شقيقاتي أو إحدى شقيقاته معي. إذا كان زوجي في المنزل، نبقى فيه.
يوم أمس، الموافق 26.7.2008، كنا نائمين في المنزل، وخرج زوجي في الصباح للذهاب إلى أريحا، إلى دورة تابعة للشرطة الفلسطينيّة. أقفلت المنزل وذهبت إلى منزل والديّ. استيقظت هذا الصباح في الساعة الرابعة والنصف- الخامسة لكي أصلّي. شممتُ رائحة غريبة، أشبه برائحة سُخام بلاستيكيّ. خرجت إلى الشرفة وظننت أنّ الرائحة منبعثة من الحريق الذي اندلع في الأرض مساءً. عدتُ للنوم. أتى شقيق زوجي، “ر.ن.”، في الساعة الثامنة صباحًا ليأخذ مفتاح منزلنا، وقال إنّ شيئًا ما احترق بجوار منزلنا، ولكنه لم يفصّل ولم يقُلِ الحقيقة. بعد قليل، حدثت جلبة، وفهمت أنّ منزلي احترق.
عندما نمكث في المنزل تبقى النوافذ مفتوحة، ولكنني عندما أخرج، أقفل جميع النوافذ والأبواب من الداخل. عندما انتقلنا للعيش في المنزل وضعنا شِباكًا حديديّة على النوافذ للوقاية من رشقنا بالحجارة. توجد في وسط الشِباك فتحة مربّعة. يبدو أنّ المستوطنين ألقوا عبر هذه الفتحة جسمًا حارقًا، بعد أن كسروا لوحيْن زجاجيّيْن. كلّ شيء احترق في غرفة نومنا، خاصّة سرير طفلي الذي احترق بالكامل. كنا قد وضعنا داخل مرتبة السّرير 10,000 دينار أردنيّ لبناء منزلنا، وقد أخذ زوجي منها 200 دينار للذهاب إلى أريحا.

أنا راعٍ. أخرج في الصّباح لأرعى قطعاني. هذا الصباح، يوم الإثنين، خرجت مع القطيع قرابة الساعة السابعة- السابعة والنصف، ومررت بنفس الطريق التي مررت بها البارحة، شرقيّ القرية- حيث أحرق المستوطنون الحقول. سرت في الطريق المحاذية للمنزل الأخير في القرية، حيث تسكن عائلة “س.ن.”، وهو ضابط كبير في الشرطة الفلسطينيّة، وزوجته “أ.ن.” تدرّس مادّة الحاسوب في المدرسة. عندما مررتُ بجوار المنزل، رأيت لوحًا زجاجيًا مهشّمًا في النافذة الجنوبيّة التي تطلّ على الطريق، وقد انبعث من النافذة سخام أسود ودخان. اتّصلت فورًا بـ “ر.ن.”، شقيق “س.ن.”، لأنّني كنت أعلم أنّ “س.ن.” موجود في دورة في أريحا. لم أتابع طريقي إلى المرعى، وعدت مع القطيع إلى القرية، تركت القطيع في المنزل، وعدت إلى المنزل المحروق. عندما عدت إلى هناك، كانت إطفائية القرية قد حضرت، وأشخاص من المجلس والعديد من الناس. وصل “س.ن.” في الساعة 10:00-10:30. وصل رجال الشرطة الإسرائيليّة ومديريّة الارتباط والتنسيق قرابة الساعة 11:30. كانت هناك أربع سيارات جيݒ عسكريّة، سيارة تابعة لمديرية الارتباط والتنسيق، سيارة شرطة وسيارتا جيݒ. غادروا المكان بسرعة. رافق رجال الشرطة “س.ن.” إلى شرطة أريئيل ليقدّم شكوى.
أنا شقيق “س.ن.”، المقيم في المنزل الذي احترق. أسكن في الناحية الشمالية من القرية، في مكان مرتفع، حيث يمكنني رؤية القرية بأكملها. رأيت أيضًا حريق أشجار اللوز يوم أمس، ولكنني لم أرَ الحريق في منزل شقيقي لأنّني كنت نائمًا. استيقظت في الساعة 7:30 صباحًا على رنين الهاتف، فقد اتّصل بي وليد عيد وأخبرني بأنّ منزل شقيقي يحترق، بأنّ هناك نافذتين مكسورتين وبأنّ الدخان ينبعث من المنزل.كان أخي في دورة للشرطة في أريحا، وهو ضابط كبير في الشرطة الفلسطينيّة، وقد درس هندسة حاسوب. تعلّم كلانا في روسيا لمدة ستّ سنوات. أنا مهندس مدنيّ.
ارتديت ملابسي وخرجت سيرًا على الأقدام، إذ لا توجد لديّ سيارة. سرت باتجاه منزل أخي. كنت هادئًا، لأنّني كنت أعلم أنّ زوجته “أ.ن.” لم تبت في المنزل، فقد ذهبت مع طفلها إلى منزل والديْها. إنّها حامل في الشهر التاسع. كنت أعرف أنّ البيت مغلق. يقع منزل والديْها بقرب المنزل الذي احترق. ذهبت إلى هناك لآخذ المفتاح. لم أرد أن اقلق “أ.ن.” وهي في تلك الحالة، لذلك لم أخبر إلّا والدها، وطلبت مفتاح البيت.
سرنا أنا ووالدها باتجاه المنزل. رأينا دخانًا وسخامًا أسوديْن منبعثيْن من النوافذ المهشّمة. عندما فتحت الباب الرئيس، اندفع الدخان والسُخام نحو الخارج. ابتعدنا وهربنا من الدخان. كانت الرائحة قويّة. انتظرنا لمدّة ربع ساعة إلى حين خروج الدخّان بالكامل، ومن ثم دخلنا إلى المنزل. في تلك الأثناء، كانت الأنباء قد انتشرت، وحضر العديد من الناس. قبل أن أفتح الباب الرئيس، اتّصلتُ بإطفائية القرية ليرسلوا سيارة إطفاء. أتت سيارة الإطفاء،ـ لكنها لم ترشّ الماء، إذ لم تكن هناك نيران، ولكن كلّ شي كان محروقًا تمامًا. رأينا أنّ سرير الطفل في غرفة النوم احترق بالكامل، بالإضافة إلى الطاولة والستائر والتلفاز والمُسجّل. يوجد في الرواق المستخدم كمكتبٍ حاسوب وهواتف ولوازم أخرى. كلّ ذلك كان مليئًا بالسخام الأسود.
اتّصلت بشقيقي “س.ن.” في أريحا، لإعلامه بأنّ المستوطنين أضرموا النار في منزله. اتّصلت بمديريتيّ الارتباط والتنسيق الفلسطينيّة والإسرائيليّة، وتحدثّت مع ضابط. قال لي: “تعال إلى هنا، وقدّم بلاغًا”. قلت له :”تعال أنتَ لترى ماذا فعلوا، ولتصوّر”.
حضرت الشرطة، وأفراد مديرية الارتباط والتنسيق والجيش بعد مرور ثلاث ساعات على اتصالي بهم. وصل شقيقي “س.ن.” من أريحا قرابة الساعة العاشرة. وصل أخي من أريحا بعد ساعتين ونصف، بينما وصلت الشرطة من أريئيل بعد ثلاث ساعات. دخلنا إلى البيت. قام الجيش وأفراد مديريّة الارتباط والتنسيق والشرطة بتصوير المنزل كلّه. احترقت محتوياته، ولكن الجدران لم تتضرّر، بل اتّسخت فقط.