
يقع في وسط قرية كفل حارس ضريحٌ يُقال إنّه ليوشع بن نون. الضريح مبنى تقليديّ يميّز أضرحة الشيوخ، أيّ أنّه مبنى حجريّ مسقوف بقبّة كبيرة. يقع الضريح على بعد خطوات قليلة من مسجد القرية والمجلس المحليّ داخل القرية. في الواقع، لا يوجد داخل الضريح الحجريّ أيّ قبر قديم، باستثناء قبر جدّي، الموجود في الحُجرة المجاورة، والذي دُنّس أيضًا. على أطراف القرية، باتجاه الجنوب، يوجد بين المنازل ضريحان يُقال إنّهما يحتويان على قبريّ يونان بن أمتاي وكالب بن يوفنا. توجد عند مدخل هذيْن الضريحيْن لافتة كُتبت عليها بالعبريّة أسماء الموتى المدفونين هناك، وتجاورهما مقبرة إسلاميّة صغيرة تحتوي نحو عشرين قبرًا، دُنّس منها تسعة قبور.
في كلّ ليلة تقريبًا يحضر بضعة مُصلّين متديّنين (حريديم) بلباس دينيّ -ليسوا مستوطنين- ولكنهم لا يثيرون المشاكل.
تقام سنويًا مراسم إحياء ذكرى يوشع بن نون، في شهر نيسان عامّةً، ويحضر إلى القبر العديد من اليهود المتديّنين. هذه السنة، حدث ذلك ثلاث مرات: في شهر شباط، وشهر نيسان ويوم الخميس الأخير، أيّ في 7 حزيران، في منتصف الليل. يحضر اليهود إلى القبر دائمًا برفقة الجيش.
أول البارحة، قرابة الساعة السادسة مساءً، حضرت أربع سيارات جيݒ عسكريّة وسيّارة أمنيّة تابعة لمستوطنة أريئيل برفقة بضعة مستوطنين من أريئيل، الذين بدأوا بتنظيف منطقة القبر. أحضروا معهم آلة لضغط الهواء ودَهنوا المكان.
لم يعلمنا أحد بذلك مسبقًا، سواء بشكل رسميّ أو بالإعلان بواسطة مكبّرات الصوت، ولم يكونوا مزوّدين بأمرٍ يجيز لهم ذلك. في المرّات السابقة أيضًا التي حضر فيها المصلّون إلى المكان، لم تُنشر أيّ أوامر ولم يُعلن عن ذلك عبر مكبّرات الصوت. ولكن باستثناء مرة واحدة ووحيدة هُشّم فيها الزجاج، لم يلحق بالقبور أيّ ضرر. أثناء وجود الجيش في المكان، طُلب من المواطنين الذين ركنوا مركباتهم على الطريق إبعادها من هناك، لإتاحة المجال للموكب بالمرور. لم يُعلَن عن منع تجوّل، ولكنهم حظروا على سكان القرية المرور أو التجوّل في القرية.
أراد أحد معارفي، “ف.ب.” أن يقلّ صديقًا كان قد جاء لزيارته إلى منزله، من شرق القرية إلى غربها، وهي طريق تستغرق عامةً خمس دقائق. ولكنه اضطر لأن يسلك طريقًا التفافيّة، مرورًا بثلاث قرى- زيتا، قيرة وحارس، للعودة إلى منزله، لأنّ الطريق داخل القرية أغلقت أمام السكّان.
باعتباري رئيس المجلس المحليّ، اتصل بي قرابة الساعة 22:30 أو 23:00، ضابط يُدعى “ي”، وهو نائب رئيس مديرية الارتباط والتنسيق، وأعلمني بأنّه ستُجرى في تلك الليلة زيارة للقبور، وبأنّه يأمل بأن تمرّ الزيارة بسلام، وبألّا يلحق أيّ أذى بالمصلّين أو بسكّان القرية. أجبته قائلًا: “تعلمني بذلك الآن؟ أرى أنّ التحضيرات لهذه الزيارة بدأت منذ ساعات”.
بجوار شارع رقم 5، في الجزء الخاضع حاليًا لأعمال التوسيع مقابل مستوطنة أريئيل، جهّز الجيش منطقة واسعة، أشبه بمعسكر تجميع، وزوّدها بجميع الحاجيات الضروريّة، مثل الماء وأجهزة الاتصال وأدوات الإسعافات الأوليّة. تجمّع في المكان آلاف المصلّين، وانطلقوا من هناك باتجاه قريتنا. انطلق البعض منهم سيرًا على الأقدام بينما استقلّ آخرون شاحنات كبيرة نقلت المصلّين، ذهابًا وإيابًا، من نقطة التجمّع المكتظة إلى مركز القرية.
كان معظم المصلّين رجالًا، وكان هناك أيضًا العديد من الأطفال، وبضع نساء. ارتدى البعض منهم الزيّ الحريديّ أبيض اللون. وصلوا إلى قبر يوشع بن نون، وانتشروا في المكان من دون إشراف الجيش. أقاموا احتفالهم الدينيّ طوال ساعات الليل، وحتى السابعة صباحًا: صرخوا ورقصوا وأثاروا ضجيجًا صاخبًا أزعج سكّان القرية الذين عجزوا عن النوم في تلك الليلة.
في طريقهم إلى القبور وعودتهم منها، قرع المصلّون الصاخبون أجراسَ منازل خاصّة، وكسروا النوافذ، وأتلفوا إطارات 5 سيارات، وأتلفوا أنابيبَ، وشتموا وكتبوا كتابات عنصريّة مثل “كهانا كان محقًّا”، “العرب أبناء زانية” و”الموت للعرب”. في ساعات الفجر، قبل حلول موعد صلاة المسلمين، سمعناهم يشتمون النبي محمّد.
في المقبرة المجاورة لقبر كالب بن يوفنا، دنّسوا 9 قبور، بالإضافة إلى قبر جديّ الواقع داخل ضريح يوشع بن نون. منع الجيش المصلّين المسلمين من أداء صلاة الفجر في المسجد.
يوم أمس، الجمعة، الموافق 8 حزيران، بعد الواقعة والنشر، حاولوا الاتصال بي من مديرية الارتباط طوال النهار، ولكنني لم أجب على مكالماتهم.
حضر إلى منزلي في السادسة صباحًا الضابط الإسرائيليّ “ي” برفقة آخر لا أعرفه، وشرطيّان، ووقَفَت في الخارج عشر سيارات جيݒ عسكريّة. ذهبنا لمعاينة الأضرار، وصوّروا كلّ شيء، وبدا لي أنّهم قدّموا شكوى لدى الشرطة. قال الضابط “ي” إنّ الشرطة تدين بشدّة ما حدث في القرية، وأخبرني بأنّهم على استعداد لإصلاح الأضرار وإعادة الوضع على ما كان عليه في السّابق. أجبته بأنّني لا أريد أن يصلح الجيش الأضرار، بأنّني أريد تقديم شكوى، وبأنّني سأذهب إلى الشرطة وإلى المحكمة بنفسي، وسأترك القرار للمحكمة.
قرار سلطات تطبيق القانون في نهاية التحقيق
يتّضح من معاينة الطاقم القانونيّ في منظّمة ييش دين لملّف التحقيق أنّه بالرغم من وجود قوّات الجيش في المكان طوال البرنامج، إلّا أنّ الشرطة لم تستجوب قائد القوات العسكريّة حول الواقعة، ولم تحاول الجهات المسؤولة عن التحقيق قطعًا التحقيق مع منظّمي الصلاة الذين نسّقوا ونظّموا البرنامج مع قوات الجيش.
في شباط 2008، قدّمت ييش دين استئنافًا لمعاودة فتح التحقيق. في نيسان 2010، قبلت النيابة العامة الاستئناف وأمرت باستكمال التحقيق في الملّف.
في 20.12.2010، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تخريب شواهد القبور، أعلمت الشرطة ييش دين بأنّ “نتائج الفحص لم تكشف عن هوية المنظّمين لقوات الجيش”، وعاودت إغلاق ملّف التحقيق.