
ورثنا أنا وأشقائي عن أبي 105 دونمات على حواف دير استيا، كان أبي قد ورثها عن أبيه. كنّا ستة أشقاء، توفي أحدنا، اثنان لا يعيشان في فلسطين، بينما يعيش هنا شقيقان يصغرانني سنًّا. لذلك، أقوم أنا بفلاحة أراضي العائلة. لدينا كواشين تثبت ملكيتنا للأراضي.
تقع الأراضي جنوب-غرب دير استيا، شمال-شرق مستوطنة رڤاڤاه. الشارع الذي يقتطع وادي قانا ويربط بين كفل حارس وكدوميم يقسّم أراضينا إلى قسمين- غربيّ وشرقيّ، وقد غُرست في كليهما أشجار زيتون. القسم الغربيّ، الذي يشكّل 45% من جميع الأراضي، مجاور لمستوطنة رڤاڤاه. في الناحية الغربيّة، لدينا 200 شجرة، وفي الناحية الشرقيّة 350 شجرة. الشارع المتصاعد نحو مستوطنة رڤاڤاه يقسّم المنطقة الواقعة غربيّ الشارع إلى قسميْن. في القسم الواقع جنوبيّ الشارع، لدينا 15 دونمًا يحظر علينا الجيش الدخول إليها منذ أربع سنوات، مدّعيًا بأنّ هذه المنطقة هي منطقة أمنيّة لمستوطنة رڤاڤاه. قدّمنا شكوى لمديرية التنسيق والارتباط الفلسطينيّة، إلّا أنّ شيئًا لم يحدث في هذا الصدد. ساعدتنا بعض مؤسّسات السّلام في إسرائيل في السابق على الحراثة وقطف المحاصيل في المنطقة الواقعة شماليّ الشارع المتصاعد نحو مستوطنة رڤاڤاه. هذه هي المنطقة التي حدثت فيها الواقعة.
في عام 1996، عندما باشروا بوضع البنى التحتية لمستوطنة رڤاڤاه، رأيت جرّارًا (تراكتور) يهيّئ الأرض.كانت هناك أيضًا سيارات جيݒ عسكريّة ومدنيّة. التقطتُ حجرين وسجّلت عليهما أرقام السيارات. ذهبت برفقة والدي إلى شرطة أريئيل وقدّمنا شكوى على ذلك. أوقفت الشرطة الأعمال التي أجريت في المكان، إلّا أنّ الأعمال تجدّدت في عام 1991. من ثم قاموا بشق الطريق المؤدّية إلى رڤاڤاه على أراضينا. مع أنّ الطريق لم تُعبّد أولًا بالأسفلت بسبب تدخّل الشرطة إلّا أنّه بعد مرور بضع سنوات، مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، بوشِر مجدًدًا بالأعمال في المنطقة وعُبّدت الطريق بالأسفلت. عندما كنا نتجمهر لنشاهد ما فعلوا بأراضينا، كانت الشرطة تحضر إلى المكان وتسجّل لنا المخالفات. لنا فقط. ليس لسيارات المستوطنين الموجودة في المكان.
في يوم الأحد الموافق 5.3.2006 في تمام الساعة 7:30 صباحًا، خرجت برفقة عاملين كنت قد استأجرت خدماتهما لفلاحة الأرض، م.د. ، ولديه حصان ومحراث، وع.د. قرّرنا حراثة الأراضي الواقعة غربيّ الشارع الذي يقتطع وادي قانا وشماليّ الشارع المؤدّي إلى مستوطنة رڤاڤاه. عملنا لمدة ساعة تقريبًا، ومن ثم حضر حارس أمن بسيّارته الأمنيّة. كان يرتدي زيًّا أمنيًّا وقال لنا من داخل سيارته: “يحظر عليكم المكوث هنا، عليكم الابتعاد عن المكان مسافة 500 متر”. الابتعاد مسافة 500 متر يعني الخروج عن حدود أراضينا. لم نمتثل لأوامره وتابعنا حراثة الأرض. تابع سيره ثم عاد بعد 20 دقيقة. عندما رأيناه يقترب، ابتعدنا مسافة 30 مترًا. من ثم ظهرت سيارة جيݒ عسكريّة يركبها ضابط وثلاثة جنود. تفاصيلهم الشخصيّة غير متوفّرة لديّ. ترجّل منها ثلاثة، سألوا عمّا حدث، وأخبرتهم بما حدث مع حارس الأمن. طلبت من الضابط أن يتحقّق من حيازة أيّ منهم لمستند رسميّ خاص بالأراضي، وأعلمته بأنّه لديّ مستندات رسميّة (كواشين) تثبت ملكيتي للأراضي.
استوضح الضابط الأمر هاتفيًّا لمدّة ربع ساعة. عندما عاد إليّ سألني “أين تريدون العمل؟”، قلت له: “في المكان الذي أُبعِدت عنه”. رافقته إلى المكان وأريته حدود أرضي. قال لي الضابط: “إن توجّه إليك أحد أخبره بأنّ الجيش سمح لك بفلاحة الأرض”. أضاف قائلًا: “يجوز لك العمل أينما شئت في أراضيك”. بعد مغادرة الجيش، تابعنا حراثة الأراضي.
بعد مرور ساعة، حضر حارس آخر أجهل اسمه، ولكنني أعرفه من واقعة أخرى حدثت قبل شهرين. لديه لحية غير طويلة، بشرته فاتحة اللون، يبلغ طوله 180 سم تقريبًا، لا يعتمر قلنسوة (كيݒا) وبنيته ممتلئة. طلب هذا الحارس رؤية بطاقات هوياتنا الشخصيّة. أريناه إياها. قلت له إنّ الجيش حضر إلى المنطقة وسمح لنا بالعمل هنا. أجاب الحارس: “لا توجد أيّ مشكلة. تابعوا العمل”. تابعنا العمل حتى الساعة 14:40، ومن ثم حضر شاب يراوح عمره بين 18 و 20 عامًا، يبلغ طوله 170 سم، نحيف، يعتمر قلنسوة (كيݒا)، وبشرته سمراء، ربّما يمنيّ الأصل. عندما رآنا بدأ يسأل: “ماذا تفعلون هنا؟ لِمن هذه الأرض؟ هل لديكم تصاريح؟”، قلت له إنّ الجيش كان هنا وسمح لنا بالعمل. سألَنا حتى متى سنبقى في المكان، أجبته بأنّنا نعود إلى منازلنا في الساعة 15:00. في الساعة 15:00، عدنا إلى دير استيا.
في صباح اليوم التالي الموافق 6.3.2006 ذهب ثلاثتنا إلى الأرض في الساعة السابعة والنصف لمتابعة حراثتها من المكان الذي عملنا فيه البارحة. في الساعة 08:30 رأيت سيارة صغيرة سوداء اللون يركبها شخصان. توقّفت السيارة على بعد 15 مترًا عن موقعنا، على الطريق الدائريّ المحيط بمستوطنة رڤاڤاه. لحظت أنّ أحد الشابيْن خلع معطفه وألقاه داخل السيارة. لم أعرهما انتباهًا خاصًّا، ولكنهما كانا بجواري خلال نصف دقيقة. حمل كلاهما بندقية، بدا لي أنّها من طراز إم-16، وبدءا يصرخان: “انصرفوا من هنا، هذه ليست أراضيكم!”. وجّها بندقيّهتيْما نحونا، وكان لأحدهما حبلٌ أمسكه باليد الثانية. في تلك اللحظة، تذكّرت بخوفٍ ما حدث لرجل مُسنّ من قريتي، والذي أمسك به المستوطنون، ربطوه بحبلٍ بشجرة زيتون، وأضرموا النار في بعض أشجار الزيتون أمام عينيْه.
تذكّرت أنّ الضابط قال لنا إنّه في حال تعرّضنا لتهديد من أحد ما، علينا أن نحاول تجاهله وعدم الدخول في مواجهات، ولكن أسلحتهما الموجّهة نحونا وهتافاتهما أخافتنا. أثناء سيرنا اتجّهت إلى أحدهما قائلًا: “دعنا نجمع أغراضنا”، ولكنه أجابني قائلًا: “انصرفوا بسرعة، لا يهمّني ما قال لكم الجيش. اذهبوا إلى دير استيا. يحظر عليكم التواجد هنا!”.
مواصفات الشخصين: يعتمران قلنسوة (كيݒا)، ملتحيان، لحية أحدهما أطول من لحية الآخر. كلاهما يضعان نظارات طبيّة. أطوالهما تزيد عن 180 سم. توجد للشاب ذي اللحية الأطول سوالف و شراريب (تسيتسيوت) وبنيته أكثر امتلاءً من بنية الآخر. الشاب الذي صرخ وهدّد كان بدون “تسيسيوت”، وهو الذي أمسك بحبلٍ بيده الثانية.
في يوم الأحد الموافق 5.3.2006 في الساعة 07:30 صباحًا، توجّهت إلى أرض “ع.أ” الذي شغّلني واستأجر حصاني ومحراثي لحراثة أرضه. وصلنا إلى الأرض ومن ثم حضر رجل أمن وطلب منا الابتعاد مسافة 500 متر، أيّ إلى خارج حدود أرض “ع.أ.”. لم أمتثل لأوامره. تابعت الحراثة. قلت لنفسي إنّه سيغادر ولن يعود للمضايقة. ابتعدنا عن المكان مسافة 30 مترًا. حضر الجيش إلى المكان، تحدّث “ع.أ” معهم وطلبوا منا متابعة العمل، وإن سُألنا عمّا كنا نفعله، علينا القول إنّنا هنا بموافقة الجيش. بعد مغادرة الجنود، حضر حارس آخر، طلب رؤية بطاقات هوياتنا الشخصيّة، عاينها وقال إنّه لا توجد مشكلة في متابعة العمل. في الساعة 14:30، جاء شاب وسألنا عمّا كنّا نفعله هناك، وما إذا كانت لدينا تصاريح. أجبناه بنعم، وبأنّنا سنتابع العمل حتى الساعة 15:00. هذا ما حصل. عدنا إلى منازلنا في الساعة 15:00.
في صباح اليوم التالي، الإثنين، عدنا إلى المنطقة لمتابعة الحراثة. عملنا لمدّة ساعة، حتى الـ 08:30، ومن ثم حضر إلى المكان مستوطنان مسلّحان. أمسك أحدهما بحبلٍ. وجّها أسلحتهما نحونا وطرَدانا من أراضي “ع.أ.” ابتعدنا عن الطريق الدائريّ، باتجاه الأراضي الأبعد، وعملنا هناك حتى الساعة 15:00.