
كنتُ في يوم الحادثة في الحقل مع بقرات العائلة. كان “ق” ابن عمّي معي، وكان في الجوار رُعاة ماشية آخرون من المنطقة، ولكنّهم كانوا بعيدين عنّا. كانت الساعة تراوح بين 15:30-15:00. كانت البقرات على بعد نحو 200-150 متر عنّا. ومن موقع مكوثنا كنّا قادرين على رؤية القطيع. وفجأةً رأينا سيّارة تأتي من صوب مستوطنة ݒتسئيل. كانت السيّارة بلون يشبه الرّماديّ- كما بدا لنا من بعيد. في هذه المرحلة لم نعد قادرين على رؤية السيّارة لكنّنا سمعنا فجأة إطلاق رصاص. عندها حاولنا أن نفحص ما حدث ورأينا السيّارة التي رأيناها قبل قليل تقف بجانب الشارع القريب من الموقع الذي كنّا نرعى فيه البقر. خرج شخص من السيّارة وظلّ الثاني فيها، وهكذا أدركت أنّهما الشخصان اللذان أطلقا الرصاص، ولكن لم يخطر ببالي أنّهما أطلقا الرصاص على بقراتنا، واعتقدتُ أنّهم أطلقوا الرصاص على صخرة أو أيّ شيء آخر. وأنا أذكر أنّهم أطلقوا نحو 10 رصاصات.
في هذه المرحلة رأينا أنّ السيّارة تعود باتجاه مستوطنة ݒتسئيل. مرّت دقائق عديدة ولم نكن على معرفة بما حصل، إلى أنّ اقتربنا أنا و”ق” في مرحلة معيّنة من قطيعنا لنرى أنّ بقرتيْن من بقراتنا قد أُرديَتا بالرصاص. اتّصل “ق” بالعائلة. نحن ظللنا في الموقع وفجأة ظهرت سيّارة من نوع “ماﭼنوم” تجرّ عربة من ورائها لونها أسود. كانت السيّارة تنوي الوصول إلى منطقة إطلاق النار حين رآنا السائق وذُعر، فعاد على أعقابه صوب مستوطنة ݒتسئيل. أنا أعرف أنّ سيّارة الماﭼنوم تخصّ شخصًا اسمه “ع” من مستوطنة ݒتسئيل. وأنا أعرف هذه المعلومة لأنّ عائلتي أخبرتني بها. فالسيّارة معروفة في المنطقة والجميع يعرف أنّها تتبع للمستوطن “ع”. بعدها جاء أشخاص من القرية والشرطة والجيش.
فصايل الفوقية هي بلدة بدويّة تقع على مسافة كيلومتر ونصف الكيلومتر غربيّ شارع 90، جنوبيّ مستوطنة ݒتسئيل وشرقيّ مستوطنة معاليه إفرايم. ويعود أصل السكّان إلى منطقة يطّا وبيت لحم. غالبية سكّان الموقع هم من رعاة الماشية، إلّا أن بعضهم يعملون كعاملين زراعيّين في المستوطنات المحيطة، وخصوصًا في ݒتسئيل. لا تتمتّع البلدة ببُنى تحتيّة والمساكن الأساسيّة فيها هي الخيام والمباني المعدنيّة والطين. ويجري الأعمال الزراعيّة عبر وسطاء، إذ يكسب العامل 65 ش.ج. لليوم، ويحصل الوسيط على بقيّة الأجرة.
لعائلتنا تجربة غنيّة مع تنكيلات المستوطنين. ويتعلّق معظم المشاكل في الموقع برعي البقر. وتصدر التنكيلات بشكل أساسيّ عن سلطة حماية الطبيعة والدوريّة الخضراء وأفراد الأمن التابعين لمستوطنة معاليه إفرايم. وقد سمعتُ أنّ قتل البقرتيْن جرى بغية بيعها للعُمّال التايلنديّين الكثيرين العاملين في المنطقة، وأكلها. وقد وقعت الحادثة حين كان ابني البالغ 13 عامًا يرعى القطيع.
نحن في الأصل من يطا إلّا أنّنا انتقلنا إلى فصايل بسبب المياه والمرعى. وفي الصيف ننتقل للسكن في منطقة قريبة من نابلس بحثُا عن حقول الرعي والمياه. نملك أنا وأخي “ب” قطيعًا من 15 بقرة، ونحن نعتاش على ما يوفّره القطيع من حليب وأجبان. وفي الغالب يقوم أبنائي وأبناء أخي برعي القطيع. تقع مناطق الرعي على مقربة من بلدتنا. وقد سبق وأطلقوا الرصاص على جزء من قطيعي {قُدّمت شكوى عام 2008 بمساعدة ييش دين}، فيما جرى في أوقات أخرى تسميم البقرات بوساطة أكل تمر مُسّمم. وفي أثناء هذه الحادثة كنا مقيمين في منطقة كوسين القريبة من نابلس.
في يوم الحادثة، 23.6.2010، ونحو الساعة 15:30، تلقيتُ اتّصالًا من ابن أخي الذي قال لي إنّ مستوطنًا من ݒتسئيل أطلق النار على قطيعنا ويبدو أنّه قتل بقرتيْن. وعلى الفور ركبتُ سيّارتي باتّجاه المنطقة التي كان يرعى فيها الولدان لاستيضاح ما جرى. وصلت إلى المكان قرابة السّاعة 16:00. سرتُ بسرعة جنونيّة لأنّني شعرتُ بأنّ مصدر رزقي قد ضاع. وعندما وصلتُ إلى الموقع رأيت 4 سيّارات جيݒ عسكريّة وسيّارتي شرطة وسيّارتين تابعتين لأفراد الأمن في المنطقة. وكان في المكان مستوطنون جاءوا ليتفرّجوا على الحادثة.
ركنتُ السيّارة بالقرب من موقع الحادثة ونزلت مع أخي لاستيضاح ما يحدث. حاول الجنود منعي من الوصول إلى المكان. وكان أحد الشرطيّين يعرفني من أحداث سابقة، وعرف أنّني صاحب القطيع فطلب من الجنود السماح لي بالعبور. رأيتُ أنّ إحدى البقرتيْن قد ماتت والثانية تحتضر. كانت إحدى رجليْها مكسورة وشاهدت رصاصة في الحنك. وقد أصيبت بـ 6-7 رصاصات. كان مشهدًا صعبًا. الجنود الذين كانوا موجودين في الموقع، وغالبيتهم من العرب، حاولوا تهدئتي قائلين “بصير خير، ما تاخذ لقلبك”.
عند وصولي إلى الموقع لم أرَ الولديْن واتّضح لي أنّ الجيش أبعدهما عن المكان. وقد وافق أحد الجنود –وهو من حرس الحديد واسمه “ح”- على التعريف بنفسه وقال إنّه أحد ضبّاط حرس الحدود في المنطقة. وكان ضابط آخر –اسمه “ط”- من أفراد الإدارة المدنيّة في أريحا. وفيما كنتُ أتحدّث مع الجنود وأستمع لتفاصيل الحدث سألني أحد الجنود “ما لكَ وللمستوطنين؟” ورددتُ عليه “لا شي”. “لماذا إذًا يسببون لك المشاكل دائمًا؟”، وعندها قال لي “ط”: “تعالَ على الإدارة المدنيّة في أريحا وسنعوّضك عن الحادثة السابقة أيضًا”. وحدّثوني عن حادثة إطلاق رصاص على ناقة في تياسير، وقالوا إنّ الجيش دفع وقتها التعويضات للمتضرّر. وفي غضون هذه المحادثة لم أكن بالطبع على علم بهُويّة مُطلق النار على البقرتيْن.
في أثناء وقوفنا إلى جانب البقرتيْن الميتتيْن كان الشرطيّون والجيش يبحثون عن العيارات الناريّة، وجاء عضو التحليلات الجنائيّة ومسح المنطقة وجمع العيارات الناريّة وقاسَ الموقع. واُلتُقطت صور للرصاصة التي أصابت البقرة والتي حطّت في مكان قريب بطريقة ما. وطلب منّي الشرطيّون التوجّه إلى شرطة معاليه إفرايم لتقديم شكوى. واقترب منّي أحد الشرطيّين وطلب تسجيل إفادتي، وأخذ مني رقم هاتفي وبطاقة هُويّتي، وسجلّ الإفادة وادّعى “هذه هي شكواك”. في نهاية المطاف أخلوا سبيلي وقالوا إنّهم سيتوجّهون إليّ في حال كانت حاجة لجمع معلومات إضافيّة. ومن وقتها لم أسمع منهم.
اتّصلتُ بالضابط “ط” عدّة مرات، بعد أن ادّعى أنّني سأتلقّى التعويضات لقاء الأضرار، ولكن في كلّ مرّة كان يُسمعني تبريرات مختلفة مثل “أنا لستُ في المكتب” وما شابه.
في مرحلة معيّنة، وأثناء وجود الجيش في الموقع، ظهر الأولاد: ابني وابن أخي وولد آخر اسمه ح.ج. واتّضح أنّ الشرطة سجّلت إفاداتهم في الموقع. وهكذا اتّضح لي أنّ ابني وابن أخي كانا على مسافة 150-100 مترًا من مكان الرعي، وفجأةً سمعا إطلاق رصاص ورأوا أشخاصًا يقتربون من البقر. الأوّل أطلق النار والثاني كان يرافقه فيما كانت سيّارة تركن بجوار الشّارع. مع انتهاء إطلاق الرصاص استقّل الأشخاص سيّارتهم وابتعدوا باتّجاه مستوطنة ݒتسئيل. وعندما اقترب الأولاد من القطيع اكتشفوا وجود بقرتيْن ميتتيْن. بعدها بدقائق معدودة ظهرت في الموقع سيّارة من نوع “ماﭼنوم” تجرّ وراءها عربة، يبدو أنّها حضرت لأخذ جثتي البقرتيْن. وقد فوجئ سائق السيّارة بوجود أشخاص إلى جانب البقرتيْن وابتعد بسرعة صوب مستوطنة ݒتسئيل. ويبدو أنّهم اعتقدوا أنّ القطيع من دون راعٍ، وعندما رأوا الأولاد اتّضح أنّهم كانوا على خطأ. أنا أعرف أشخاصًا آخرين أُطلِق الرصاص على بقرات تابعة لهم، وخصوصًا بجانب عقربا، والشائعات تقول إنّ أجساد الأبقار تُباع للتايلنديّين. وقال الابن وابن الأخ للشرطة إنّهما يعتقدان أنّ سيّارة الـ “ماﭼنوم” التي حضرت لأخذ البقرتيْن هي سيّارة ابن المستوطن “ع” من ݒتسئيل المعروف في المنطقة. وشهد الولدان أيضًا بأنّ السيّارة التي نزل منها مُطلقا النار تشبه سيّارة أخرى بملكيّة المستوطن “ع”، الذي يملك سيّارتيْن خصوصيّتيْن وسيّارة ميدانيّة.
قرار سلطات تطبيق القانون في نهاية التحقيق
ويتّضح من ملفّ التحقيق الذي حصل عليه طاقم ييش دين القانونيّ، أنّ موادّ استخباراتيّة وصلت في إطار التحقيق وقادت المُحقّقين إلى “أ.ش.”، وهو مستوطن في ݒتسئيل اعترف أمام المحقّق في تحقيق “غير رسميّ” بارتكاب المخالفة، وقال إنّه “بالإمكان اختصار التدابير وإنّه هو الذي أطلق الرصاص على البقرتيْن”، وذلك لأنّه “لا يحبّ العرب”، ولأنّه “يعمل على تربيتهم”. وإضافةً لذلك عُثر على تطابق بين عُبوّات الرصاص التي عُثر عليها في موقع الحدث وبين سلاح أ.ش.
في يوم 14.4.2011 قدّم طاقم ييش دين القانوني استئنافًا مُفصّلًا ادّعى فيه وجود بنية تحتيّة تُلزم بتقديم لائحة اتّهام ضدّ المستوطن أ.ش.
في يوم 12.12.2011 رفضت نيابة الدّولة الاستئناف وقالت إنّه لا تتوفّر أدلّة كافيّة لغرض المقاضاة الجنائيّة.