
في يوم الأربعاء 9.11.2005، خرجتُ مع الأغنام إلى كرم الزيتون الذي أملكه، والذي يقع شمال شرق يانون، وذلك في إطار الأيّام العشرة التي حصلنا فيها على إذن من الشرطة بقطف أشجار الزيتون. سرتُ مع ابني ف.ج. والأغنام على الجبل صوب الكرم، على بعد قرابة كيلومتر عن سياج مستوطنة أيتمار. بجوار سياج المستوطنة كان هناك مستوطن يرعى المعز السوداء والبُنيّة.
فجأة اقترب مني مستوطن مُسلّح. ابتعدتُ عنه نحو 20 مترًا ولم أكن راغبًا بالمشاكل. سألني المستوطن: “ماذا تفعل هنا؟” واقترب مني. قلتُ له إنّني أعمل في أرضي. قال لي: “اُخرج من هنا”. قلتُ له: “حسنًا، سأخرج”. لم أعتقد أنّه سيضربني أو أنّه سيفعل أيّ شيء. ولكن عندها وجّه سلاحه صوب رُكبتيّ وبعدها رفع السّلاح في الهواء وضربني على وجهي، على خدّي، بكعب البندقيّة. بعدها اتّضح أنّ ذلك تسبب بأربعة كسور في الجانب الأيمن من الأنف تحت العين وبجوار الأذن. نزف مني دم كثير ووقعت على الأرض، فيما غادر المستوطن.
يمكنني التعرّف به: له لحية بُنيّة حمراء، وكيݒاه كبيرة على رأسه فيها ثقوب صغيرة كالشبكة، وليس طويلًا بشكل خاصّ لكنّه عريض الجسد وقويّ. يبدو لي أنّه في قرابة العشرين من عمره.
اقترب ابني وحملني. كنتُ أعاني آلامًا شديدة. اتصل ابني بالمختار بواسطة هاتفي النقال. نزلها باتّجاه الشارع وسرنا نحو ربع ساعة. في الطريق انتظرنا المختار ر.س. الذي أقلّنا إلى بيته. اتصل ر.س. بالشرطة والجيش كي يحضروا إلى المكان. قام أحد الجنود بتنظيف وجهي وقدّم ليس الإسعاف الأوّليّ. بعدها أخذتني حافلة الطلاب إلى عيادة عقربة. ومن هناك بسيّارة إسعاف إلى مستشفى رفيديا بنابلس، ومكثت في المشفى 10 أيّام وخضعت لعمليّة جراحيّة في الوجه.
وبالأمس، وبعد عشرة أيام على مكوثي في المستشفى، عدتُ إلى البيت، وما زلت أعاني للآن من الآلام ولا يمكنني العودة إلى العمل.
في السّاعة التاسعة صباحًا من يوم الأربعاء 9.11.2005، خرجتُ مع أبي إلى كرم الزيتون الذي نملكه والموجود شمال شرق يانون على مسافة كيلومتر واحد من القرية. خرجنا مع أغنامنا؛ أنا كنتُ مع الأغنام وأبي كان في كرم الزيتون. بدأنا بالعمل وعندها سمعت والدي يقول: ها قد جاء المستوطن. قلتُ لأبي: “لا تقلق. معنا تصريح من الشرطة بالعمل، ولذلك لا شيء نخشاه”. كنت أعتقد ببساطة أنّنا نحمل إذنًا من الشرطة ولذلك فإنّ المستوطنين يعرفون هذا أيضًا ولذلك لن يجرؤوا على مهاجمتنا.
جاء المستوطن. وأنا بدأت بإبعاد الأغنام كي أحميها. كنتُ على مسافة قرابة 50 مترًا من والدي والمستوطن. بدأ المستوطن بالحديث مع أبي ومناقشته. وقال: “لماذا أنت هنا؟”، فأجاب أبي: “هذا زيتوني ومعي تصريح من الشرطة بالعمل هنا”. قال له المستوطن: “لا شرطة! أنا الشرطة! هذه أشجاري أنا! أرضي أنا! ممنوع عليكم المكوث هنا!” قال له أبي: “هذه أشجاري أنا، وأشجار جدّي”. ضحك المستوطن على أبي وقال له: “افعل ما أطلبه منك!”. فقال والدي: “حسنًا، سأذهب”. كنتُ قادرًا على سماعهما لأنّهما كانا يتحدّثان بصوتٍ عالٍ، وفي الجبال يمكن سماع الصوت بسهولة بفضل الصمت الذي يسود المكان.
بدا جسد المستوطن معتدلًا، لا نحيف ولا سمين. طويل بعض الشيء وله لحية غير طويلة بشكل خاصّ. شعره بُنيّ وقصير وأحمر قليلًا. على رأسه كيݒاه صغيرة لونها أحمر- بنيّ وفيها ثقوب صغيرة تبدو مثل الشبكة. وكان يحمل السّلاح، وله شراريب قماشيّة خارج بنطاله.
في اليوم السابق، الثلاثاء، جاء المستوطن نفسه مع صديق له، وكان الاثنان مُسلّحيْن ومعهما كلب كبير. وقد ضربني هذا المستوطن فوق عيني اليمنى، ثم هرب الاثنان.
بدأ أبي بالعودة صوب يانون، وبدأ المستوطن يمشي وراءه ثم ضربه بالسلاح على وجهه. طلب مني والدي عدم فعل شيء لأنّه كان يخشى من أن يضربني المستوطن أنا أيضًا.
طلب مني أبي العودة إلى الوراء وعدم مساعدته كل لا أُصاب بالأذى. أخذته هاتفه النقّال وتحدّثت إلى ر.س.، مختار يانون. طلب مني ر.س. النزول إلى الشارع وسيأتي هو لأخذنا. وقال أيضًا إنّه سيتّصل بالجيش والشرطة.
كان أبي يستلقي على الأرض بوضع صعب، وحاولتُ مساعدته. وعندما رأى المستوطن أنّني أطلب المساعدة عبر الهاتف وأساعد والدي، هرب.
وكان هناك مستوطن آخر يرعى المعز في أعلى السفح الواقع فوق كرمنا. كانت معه ماعر سوداء وبُنيّة، من دون ماعز بلون أبيض. والتقى الإثنان وتحدّثا سوية، ثمّ عاد المستوطن الراعي مع معزه باتجاه أيتمار. نزلنا أنا وأبي إلى الشارع للقاء ر.س. وأخذنا بسيّارته إلى منزله.
حضر متطوّعون من خارج البلاد، وقامت واحدة منهم بالاعتناء بوجه أبي. بعدها حضرت الشرطة والجنود، وكان معهم الجنديّ الذي واصل العناية بأبي. تحدّث ضابط الشرطة معي ورغب بالحديث مع أبي أيضًا، إلّا أنّ والدي كان بحاجة أولًا للعلاج الطبيّ. ونُقل أبي إلى مستشفًى في نابلس.
أمّا أنا فأخذوني بسيّارة جيݒ عسكريّة إلى أريئيل، وهناك حقّقوا معي. طرحوا عليّ الأسئلة وأحضروا صورًا وطلبوا منّي التعرّف بالمُعتدي. قلتُ له: “حسنًا، أنا متأكّد من قدرتي على تشخيصه”. ذهبتُ مع أحد الشرطيّين إلى الحاسوب وبدأتُ أرى صورًا لأشخاص على الشاشة. 20 صورةً كلَّ مرة. كلّ صورة بقياس 1.5 سم. كنت أنظر ولا أرى صورة المستوطن، وبعدها تأتي 20 صورة أخرى. وهكذا حتى رأيت 100 صورة تقريبًا، وعندها تعرّفتُ بالمستوطن الذي اعتدى على أبي. أشرتُ إليه ونادى الشرطيّ على الضابط وقال له إنّ التشخيص أكيد. أنا أعرف هذا المستوطن جيدًا لأنّه سبق وضايقنا مرات كثيرة من قبل. سألوني: “أنتَ متأكد؟”، وقلت لهم: “مئة بالمئة!”. أرسلوني إلى بوابة أريئيل وعدتُ إلى يانون بسيّارة أجرة. غضبت على الشرطيّين وقلتُ لهم: “أنتم تقولون إنّ هناك تصريحًا بالعمل في الأرض وإنّكم ستحموننا، وبالأمس (الثلاثاء) ضربوني فوق عيني، واليوم كسروا وجه والدي!”، فقال لي الشرطيّ: “لماذا تقول إنّهم ضربوك؟ أنا لا أرى أيّ علامة فوق عينك.”
لم أستطع التعرّف بالمستوطن الذي كان يرعى المعز السوداء والذي أعتقد أنّه استدعى صاحبه ليعتدي علينا، لأنّه كان بعيدًا جدًّا. ولكن كان معه كلب بُنيّ.
قرار سلطات تطبيق القانون في نهاية التحقيق
في يوم 3.2.2008 رفضت نيابة الدولة الاستئناف بتسويغ “عدم وجود أدلة كافية وصلبة كما يتطلّب الإجراء الجنائيّ”، وذلك رغم أنّ ابن الضحيّة تعرّف بالمشبوه في صور المشبوهين.